قال أبو الفتح: أما «غيّابة» فإنه اسم جاء على فعّالة، وكان أبو على يضيف إلى ما حكاه سيبويه من الأسماء التى جاءت على فعّال، وهو الجبّار والكلاّء-الفيّاد، لذكر البوم. ووجدت أنا غير ذلك، وهو التّيّار للموج، والفخّار للخزف، والحمّام، والجيار: السعال، والكرّار: كبش الراعى.
وأما «غيبة الجبّ» فيجوز أن يكون حدثا فعلة من غبت، فيكون كقولنا: فى ظلمة الجب-ويجوز أن يكون موضعا على فعلة كالقرمة والجرفة.
***
{يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} (١٢)
ومن ذلك قراءة العلاء بن سيّابة: «يرتع»، بالياء، وكسر العين، «ويلعب»، رفعا (١). وقرأ: «يرتع ويلعب» (٢) أبو رجاء.
قال أبو الفتح: أما «يرتع» فجزم لأنه «جواب» أرسله، و «يلعب» مرفوع لأنه جعله استئنافا أى هو ممن يلعب، كقولك: زرنى أحسن إليك، أى: أنا ممن يحسن إليك، إلا أن الرفع فى «أحسن» هنا يضعف الضمان. ألا ترى أن معناه: أنا كذلك، وليس فيه قوة معنى الإحسان إليه مع الجزم؟.
وأما «يرتع ويلعب» فمجزومان لأنهما جوابان: أحدهما معطوف على صاحبه، وهو على حذف المفعول، أى: يرتع مطيته، فحذف المفعول.
وعلى ذكر حذف المفعول فما أعربه وأعذبه فى الكلام! ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ اِمْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ:} أى تذودان إبلهما. ولو نطق بالمفعول لما كان فى عذوبة حذفه ولا فى علوه. وأنشدنا أبو علىّ للحطيئة (٣):
منعّمة تصون إليك منها … كصونك من رداء شرعبىّ
أى: تصون الحديث وتخزنه، فهو كقول الشّنفرى (٤):
(١) انظر: (الكشاف ٣٠٦/ ٢، مجمع البيان ٢١٣/ ٥، البحر المحيط ٢٨٥/ ٥).
(٢) وقراءة ابن محيصن، ومجاهد، وقتادة. انظر: (البحر المحيط ٢٨٥/ ٥، الكشاف ٣٠٦/ ٢، الإتحاف ٢٦٢/ ٢، مجمع البيان ٢١٣/ ٥، القرطبى ١٤٠/ ٩).
(٣) انظر: (ديوانه ٣٥).
(٤) انظر: (المفضليات ١٠٩).