كأن لها فى الأرض نسيا تقصّه … على أمها وإن تخاطبك تبلت
أى: تقطع حديثها حياء وخفرا. واعتدل فى هذا الموضع ذو الرمة، قال (١):
لها بشر مثل الحرير ومنطق … رخيم الحواشى لا هراء ولا نزر
وما أظرف قوله: رخيم الحواشى، أى: لا تنتشر حواشيه فتهرأ فيه، ولا يضيق عما يحتاج من مثلها إليه للسماع والفكاهة، ولكنه على اعتدال، وكما يستحسن ويستعذب من التّقال. ألا ترى إلى قول الآخر (٢):
ولما قضينا من منى كل حاجة … ومسّح بالأركان من هو ماسح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا … وسألت بأعناق المطىّ الأباطح
ومنه (٣):
وحديث ألذّه هو مما … تشتهيه النفوس يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا … نا وخير الحديث ما كان لحنا
أى: تارة تورد القول صائبا مسددا، وأخرى تحرف فيه وتلحن، أى: تعدل عن الجهة الواضحة متعمدة لذلك تلعّبا بالقول، وهو من قوله عليه السلام: فلعل أحدكم يكون ألحن بحجته، أى: أنهض بها وأحسن تصرفا فيها. وليس من اللحن الذى هو إفساد الإعراب. ذلك حديث غير هذا، وقد تقصّيت هذا المذهب فى الخصائص فليطلب هناك (٤).
***
{وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ} (١٦)
ومن ذلك ما رواه عيسى بن ميمون عن الحسن أنه قرأ: «وجاءوا أباهم عشا يبكون» (٥)، قال: عشوا من البكاء.
قال أبو الفتح: طريق ذلك أنه أراد جمع عاش، وكان قياسه عشاة كماش ومشاة، إلا أنه حذف الهاء تخفيفا وهو يريدها، كقوله:
(١) انظر: (ديوانه ٢١٢، الخصائص ٣٠/ ١).
(٢) أسرار البلاغة ١٥ وقد فصل عبد القاهر الجرجانى ذكر الوجه البلاغى فيه فليراجع.
(٣) قول مالك بن أسماء خارجة. انظر: (البيان والتبيين ١٤٧/ ١).
(٤) انظر: (الخصائص ٦/ ١:٣٤).
(٥) انظر: (البحر المحيط ٢٨٨/ ٥).