أى: مغض، وقالوا أيضا: ألقحت الريح السحاب، فهو لاقح. فهذا على حذف همزة أفعل، وإنما قياسه ملقح، فعلى ذلك خرج «الرشّاد»، أى: رشد بمعنى أرشد تقديرا لا استعمالا، كما قال الآخر:
إذا ما استحمّت أرضه من سمائه … جرى وهو مودوع وواعد مصدق (١)
وكان قياسه أن يكون مودع لأنه من أودعته، فودع يدع، وهو وادع، ولا يقال: ودعته فى هذا المعنى فيقال مودوع، كوضعته فهو موضوع.
فإن قيل: فإن المعنى إنما هو على أرشد، فكيف أجزت أن يكون إنما مجيئه من رشد أو رشد فى معنى رشد، وأنه ليس من لفظ أرشد؟.
قيل: المعنى راجع فيما بعد إلى أنه مرشد؛ وذلك لأنه إذا رشد أرشد؛ لأن الإرشاد من الرشد.
فكأنه من باب الاكتفاء بذكر السبب من المسبب. وعليه قالوا فى قول الله سبحانه: {وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ} (٢): إنها من لقحت هى، فإذا لقحت ألقحت غيرها، فهو كقولك: إنها زاكية، فإذا زكت فى نفسها أزكت غيرها، فهذا المذهب ليس هو الأول الذى على تقدير حذف الزيادة من ألقح، ولكل طريق.
***
{يَوْمَ التَّنادِ} (٣٢)
ومن ذلك قراءة ابن عباس والضحاك وأبى صالح والكلبى: «يوم التنادّ»، بتشديد الدال (٣).
قال أبو الفتح: هو تفاعل، مصدر تنادّ القوم، أى: تفرّقوا، من قولهم: ندّ يندّ، كنفر ينفر. وتنادّوا كتنافروا، والتّنادّ كالتنافر، وأصله التّنادد، فأسكنت الدال الأولى وأدغمت فى الثانية استثقالا لاجتماع المثلين متحركين.
(١) انظر: (الأصمعيات ١٢، الخصائص ٢١٨/ ٢، لسان العرب «ودع») والبيت لخفاف بن ندبة.
(٢) سورة الحجر الآية (٢٢).
(٣) وقراءة الزعفرانى، وعكرمة، وابن مقسم. انظر: (مختصر شواذ القراءات ١٣٣، الطبرى ٤٠/ ٢٤، الفراء ٨/ ٢، الكشاف ٤٢٦/ ٣، القرطبى ٣١١/ ١٥، التبيان ٧٤/ ٩، البحر المحيط ٤٦٤/ ٧، النحاس ١٠/ ٣، العكبرى ١١٧/ ٢، مجمع البيان ٥٢٢/ ٨، الرازى ٦١/ ٢٧).