وإن لم تقاتل. هذا مذهبُ جمهور الفقهاء بالحجاز والعراق: مالكٌ (١) والشّافعىّ وأبي حنيفة وابن حنبل وأصحابهم وداود والأوزاعي.
وقال ابن الماجِشُون: أَمَانُ المرأةِ موقوف على جواز الإمام، فإن أجازه جازَ، وإن رَدَه رُدَّ؛ لأنّها ليست ممن يُقاتل، ولا لها سهمٌ في الغنيمة.
واحتجَّ بها من ذهب إلى أنّ أمان أمِّ هانئ لم يكن جائزًا على كلِّ حالٍ دون الإمام، ولو كان كذلك لقتل من لا يجوز قتله، لا أمان من لا يجوز أمانه (٢)، ولو كان أَمَانُهَا جائزًا، لقال لها رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: من أمّنت أنت أو غيرك من النِّساء، فلا يحلّ قتله، فلمّا قال لها: " قد أمّنا من أمّنتِ، وأَجَرْنَا من أَجَرْتِ"، كان ذلك دليلًا على أنّ أمانَ المرأة موقوفٌ على إجازة الإمام أو ردِّه.
نكتةٌ أصولية (٣):
قال الإمام: هذه المسألة تبيِّنُ أنّ المرأة وإن (٤) كان لا يلزمها القتال، فلها أن تقاتل، ولها أنّ تُؤَمِّن، وهذا أيضًا ينبني على أصل: وهو أنّ الأَمان هل هو ولاية، أم عقد يعقد؟ فعندنا أنّه عَقْدٌ. وقال أبو حنيفة: هو ولاية (٥) , لأنّ فيه إنفاذ قول الغَيْرِ، وتحجيرُ ما كان مُبَاحًا في الأصل. والعُمدَةُ فيه: قولُ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -: "المسلمونَ تتكافأ دِمَاؤُهُم، ويسعَى بذِمَّتِهِم أَدَنَاهُمْ، ويَرُدُّ؛ عليهم أَقْصَاهُمْ، وهم يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُم" الحديث إلى آخره (٦).
تنبيهٌ على إغفالٍ:
قال الإمام: وهذا الرّجل الّذي أجارته أمّ هانئ، قيل: إنّه زوجها.
وقيل: حموها، وهو الّذي ذَكَرَهُ ابن إسحاق.
(١) في النُّسَخ:" ومالك" والمثبت من الاستذكار.
(٢) العبارة كما في الاستذكار: "واحتجّ من ذهبَ هذا المذهب، بأنّ أمان أمِّ هانئ لو كان جائزًا على كلِّ حالٍ دون إذْن الإمام، ما كان عليّ ليريد قتلَ من لا يجوز قتله لأمانِ من يجوز أَمَانُه".
(٣) انظرها في القبس: ١/ ٣٣٦ - ٣٣٧.
(٤) في النسخ: " إنّ" والمثبت من القبس.
(٥) انظر المبسوط: ١٠/ ٦٩.
(٦) أخرجه أبو داود (٢٧٥١)، وابن ماجه (٢٦٨٥) من حديث عبد الله بن عمرو.