يرويه كما رواهُ يحيى. وهذه الرِّواية تشهد لمن قال إنه جائزٌ أنّ يصلَّى على غير الأنبياء.
ومن حُجَّةِ من يرى ذلك: قولُه (١) "اللهم صلِّ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ وأزواجِهِ وذُرِّيَّتَهِ" ومعلومٌ أنّ أزواجَهُ وذُرِّيَّتَهُ غَيْرُه.
وفي الحديثِ أيضًا حُجَّة، قولُه: "اللهم صلِّ على آل أَبِي أَوْفَى" (٢) وأمّا مذهب ابن عبّاس فإنه قال: لا يصلِّي أحدٌ إلَّا على النَّبِيِّ -عليه السّلام- (٣).
وقال علماؤنا: لا حُجَّةَ فيمن تعلّق بحديث ابن أبي أَوْفَى؛ لأنّه كان مخصوصًا بالنَّبيِّ -عليه السّلام-، أُمِرَ أنّ يصلِّي على من جاء بصدَقَةٍ عِوَضًا له منها، فقيل له: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (٤) وهذا معنى يختصّ به. وهذه مسألة اجتهادية قد بيَّنَّاها في موضعمها. والصحيحُ عندي؛ أنّ الصَّلاة مخصوصةٌ بالنّبىِّ - صلّى الله عليه وسلم -.
وأمّا (٥) ما رُوِيَ عن ابنِ عمر (٦)؛ أنَّه كان يصلِّي على النّبيِّ وعلى أبي بكرٍ وعمر؛ فإنّ معناه: يَدْعُو لأبي بَكْرٍ وعمرَ، كما رواهُ ابن القاسم، ولكنّه ألحق الثّاني في الأوّل لَفظًا، كما قال الشّاعر (٧):
أعلفتها (٨) تِبنًا وماءً بارِدًا
وكما قال الآخر (٩):
ورَأيتُ زَوْجَكِ في الوَغَى ... مُتَقَلِّدًا سَيفًا ورُمحًا
(١) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في حديث الموطّأ (٤٥٦) رواية يحيى.
(٢) أخرجه البخاريّ (١٤٩٧)، ومسلم (١٠٧٨) من حديث عبد الله بن أبي أَوْفَى.
(٣) أخرجه- مع اختلاف في الألفاظ- عبد الرزّاق (٣١١٩)، وابن أبي شيبة (٨٧١٦)، والطبراني في الكبير (١١٨١٣)، وقال الهيثمي في "المجمع: ١٠/ ١٦٧ "رواه الطبراني موقوفًا، ورجاله رجال الصّحيح"، كما صحَّحَ إسناده ابن حجر في فتح الباري: ٨/ ٥٣٤.
(٤) التوبة: ١٠٣.
(٥) انظر الكلام التالي في القبس: ١/ ٣٥٩ - ٣٦٠.
(٦) في الموطّأ (٤٥٨) رواية يحيى.
(٧) هو عبد الله بن الزِّبعرى في ديوانه: ٣٢. ونسبه الفراء في معاني القرآن: ١/ ١٤ إلى بعض بني أسدّ.
(٨) في الديوان: "علفتها".
(٩) ورد البيت غير منسوب في تأويل مشكل القرآن: ٢١٤، وذكر شيخنا المحقق السَّيِّد أحمد صقر أنّ الأخفش نسبه في تعليقه على الكامل: ١/ ١٩٦ لعبد الله بن الزّبعرى، كما أورده صاحب مجاز القرآن: ٢/ ٦٨، والفراء في معاني القرآن: ٣/ ١٢٣.