الأصول:
قال المتكلِّمون من أهل الأصول: هذا الحديث يحتمل معنيين (١):
أحدهما: أنّ ملازمته بالطّاعة والصّلاة تؤدِّي إلى رياض الجَنَّةِ، لِفَضِيلةِ الصّلاة في ذلك الموضع؛ لأنّ مالكًا - رحمه الله - تأوَّل فيه هذا الوجه، ولذلك أَدْخَلَهُ مالك في بابٍ واحدٍ مع فضل الصَّلاة في مسجد النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - على الصّلاة في سائر المساجد.
المعنى الثّاني: يحتملُ أنْ يريدَ أنَّ ملازمته والتَّقرُّب إلى الله فيه يؤدِّي إلى رياضِ الجنَّةِ، فلا يكون فيها للبُقعَةِ فضيلة إلَّا بمعنى الاختصاص بهذه المعاني، وكما يقال "الجنَّةُ تحتَ ظِلَالِ (٢) السُّيُوفِ" (٣).
وقال بعضهم: إنّ هذه حقيقة وليس بمجاز من القَوْلِ؛ لأنّه إذا كان يوم القيامة، يُعِيدُ اللهُ ذلكَ المِنْبَرَ ويرفَعُه بعَيْنِهِ، فيكون يَؤْمئذٍ على حَوْضِهِ.
وقال آخرون: إنّما عنَى به أنّ مِنْبَرَهُ في الجنَّة يُخْرَجُ ويُجْعَل له على حَوْضِهِ.
وقالت فرقةٌ أخرى: بَلْ يُنقل ذلك الموضع إلى الجنَّة فيكون من رياضِهَا.
والأوّل أصحّ، ويشهدُ له الحديث: "أَلاَ أَدُلُكم على رِيَاضِ الجنَّة قيل: وما هي يا رسولَ الله؟ قال: حِلَقُ الذِّكْر" (٤).
وقال بعض العلماء: يريد من صلّى فيه يصير إلى روضة من رياض الجَنَّة، وفي حديث: "إنَّ مِنْبَرِي على تُرْعَةٍ من تُرَعِ الجَنَّةِ" (٥) يريد على باب من أبواب الجَنَّة. وهذا مثل ما تقدَّمَ.
(١) انظر نحو هذين المعنيين في المنتقى: ١/ ٣٤١ - ٣٤٢، ولا شك أنّ المؤلِّف قد استفاد من الباجي.
(٢) غ: "ظلِّ ".
(٣) أخرجه البخاريّ (٢٨١٨)، ومسلم (١٧٤٢) من حديث ابن أبي أوفى.
(٤) أخرجه أحمد: ٣/ ١٥٠، والترمذي (٣٥١٠)، وابن حبّان في المجروحين: ١/ ٢/ ٢٥٢ من حديث أنس، بلفظ: "إذا مَرَرْتُمْ برياضِ ... " قال التّرمذيّ: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ثابتٍ عن أنس".
(٥) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث: ١/ ٤، وابن سعد في الطبقات: ١/ ٢٥٣، وابن أبى شيبة (٣١٧٢٩)، وأحمد: ٢/ ٣٦٠، والبيهقي: ٥/ ٢٤٧، كلهم من طريق أبي سلمة بن عبد الرّحمن عن أبي هريرة عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -.