الآية الأولى:
قولُه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} الآية (١)، اعْلَم أنَّه لم يُرِدْ به مجيءَ الانتقالِ والاتيانِ.
وقال بعض العلماء (٢): إنّ الواو هاهنا بمعنى الباء.
ومنهم من قال: جاءَ أَمْرُ ربِّكَ وحُكْمُه، يريدُ أمر الله في القيامة وما يختصّ به ذلك (٣).
وقال آخر: يحتمل وجاءَ ربّك بالملائكة، فيكون المجيءُ للملائكة.
وتحقيقُ القولِ في هذا: أنّ كلَّ فِعْلٍ يضافُ إلى اللهِ تعالى ممّا يتعلَّقُ بأبداننا يتعالى الله عنه، وانّما المرادُ به مخلوقاته، وذلك جائزٌ من وجهين:
إمّا بأنْ يفعلَ فِعْلًا فيسمى إتيانًا.
وإمّا أنّ تأتي الملائكة بآمْرهِ، كما قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} (٤) بخَفْضِ الهاء وبرفعها، فَبِرَفْعِها يكونُ الفعْلُ المسمَّى إثباتًا مخصوصًا بالظُّلَلِ. وبكسرها يكون الفعلُ المسمَّى إثباتًا عامًّا فيه (٥).
الآية الثّانية:
قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (٦) قال علماؤنا (٧): المراد به مَنْ فَوْقَها، فإذا كان ظاهرًا في اللُّغة استعمال "في" بمعنى "فوق" وقد قال الله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (٨) وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} الآية (٩)، وقد أطلقَ المسلمونَ على (١٠) أنّ
(١) الفجر: ٢٢.
(٢) هذا القول والذي بعده نقلهما المؤلِّف من مشكل الحديث لابن فورك: ٨٢.
(٣) تتمة الكلام كما في المشكل: " ... ذلك الوقت من أمره المخصوص وحكمه الّذي لا يقع فيه بالدُّعاء والنِّداء".
(٤) البقرة: ٢١٠.
(٥) جـ: "فيها".
(٦) الملك:١٦
(٧) المراد هو الإمام ابن فُورَك في مشكل الحديث: ٦٤.
(٨) الأنعام: ١٨.
(٩) النحل:٥٠.
(١٠) "على" غير واردة في مشكل الحديث.