ومما كان يدعو به عامر بن قيس: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من أنّ تؤدبني بعُقُوبَتِكَ، اللَّهُمَّ لا تجعلني عِبْرَة لِغَيرِي، وأعوذُ بك أنّ أفرَّ إلى معصيَتِّكَ لضرٍّ ينزل بي، اللهم إِنِّي أستغفرُكَ من العمل الّذي عملته رغبةً، إنِّي أريد به وجهك خالصًا (١).
وممّا كان يدعو به الأوزاعي إذا غدا إلى المسجد، يقول: اللَّهُمَّ غَدَتِ الطَّيرُ والوحوشُ إلى أرزاقها، وغَدَوتُ إليك رَبِّي لتغفر لي، فاغْفِز لي ما خَلَا من ذَنْبِي وما غَيَرَ.
وممّا كان يدعو به عطاء السُّلَمى: اللَّهُمَّ ارحم غُرْبَتِي في الدُّنيا، ومَصْرَعِي عند الموت، وَوَحْدَتِى في القبر، ومقامي بين يَدَيْك (٢).
وإحصاء أدعيتهم أكثر مِمّا يأتي أحدٌ (٣) على إحصائها.
تنبيهٌ على مقصدٍ:
قال قوم من المتصوِّفَة: لا ينبغي لأحدٍ أنّ يدعو اللهَ تعالى إلَّا بأسمائه وصفاته، لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (٤)، وفي الحديث الصّحيح؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "إنّ للهِ تعالَى تِسْعَةٌ وَتسْعِينَ اسْمًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ" (٥) فإذا أحصاها العبدُ دَعَا بأيِّ اسمٍ شاءَ منها استُجِيبَ لَهُ؛ لأنّه من أهل الجَنَّة؛ إذا قال: يا غَفُور اغْفِرْ لي، يا فتّاح افْتَح لي، يا تَوّاب تُبْ عَلَيَّ، ويَدعُو بكلِّ اسمٍ على ما يريد أنّ يُسْتَجَابَ له.
قلنا: هذا لا يكون من كلِّ النَّاسِ، ولا يكون هذا إلَّا مِن عارِفٍ بالله تعالى.
وإنَّ العلماءَ أيضًا قدِ اختلفوا في معنى الإحصاء (٦)، وفي تَعْيِينِ هذه الأسماء
الّتي إذا دُعِيَ بها أجابَ، فلا بُدَّ من معرفة الإحصاء والتَّعيينِ.
أمّا الإحصاء ففيه لغتان:
(١) أخرجه ابن أبي عاصم في الزهد: ٢٤٢.
(٢) أخرجه أبو نعيم في الحلية: ٦/ ٢١٧، وانظر المسير للذهبي: ٦/ ٧٨.
(٣) غ: "أكثر من أنّ يقف".
(٤) الأعراف: ١٨٠.
(٥) أخرجه البخاريّ (٢٧٣٦)، ومسلم (٢٦٧٧) من حديث أبي هريرة.
(٦) انظر هذا الاختلاف في الأَمَدِ الأَقْصَى للمؤلِّف: ٨/ أ - ب