وقيل: إنّ الرَّفيق الأعلى الجَنَّة.
وقيل: الأنبياء والصّالحون الّذين يعلون في الجنّة. وذكر أبو الوليد الباجي (١)؛ أنّ الرّفيق الأعلى اسمٌ لكُلِّ سماء. والأعلى السّابعة (٢).
حديث مَالِك (٣)؛ بَلَغَهُ أَن عَائِشَةَ زَوْج النَّبِيّ - صلّى الله عليه وسلم - قَالَتْ: قَال رَسُولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم -: "مَا مِن نَبِىٍّ يَمُوتُ حَتَّى يُخَيَّر"، قَالَتْ: فَسَمِعتُهُ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى" فَعَرَفْتُ أَنَّهُ ذَاهِبٌ.
الإسناد (٤):
قال القاضي: هذا حديث من بلاغات مالك (٥).
وقولها: "فَعَلِمتُ أَنَّه ذَاهِبٌ" هو تفسير لما قبله، كأنّها قالت: إنّه خيّر بين البقاء في الدُّنيا والمصير إلى الله، فاختارَ الرَّفيق الأعلى. وما كان رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - ليخَيَّر بين الدنيا والآخرة إلّا ويختار الآخرة، لقوله: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} الآية (٦)، ولأن الدُّنيا فانية على كلِّ حالٍ، وما مضَى منها وإن كان طويلًا، فكَالْحُلمِ إذا انْقَضَى، ودارُ البقاءِ الخير الدّائم، وهو أَوْلَى لاختيار ذَوِي النُّهَى.
وليس في مُسنَدِ مالك ذكر التّخيِيرِ، وإنّما ذَكَرَهُ فيما بَلَغَهُ، وقد يُسْنَدُ من حديث إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن عروة عن عائشة قَالَتْ: سَمِعتُ النَّبِيَّ - صلّى الله عليه وسلم - يَقُولُ: {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} (٧) وما مِنْ نبيٍّ مرضَ إلَّا خُيِّر بين الدُّنيا والآخرة الحديث (٨)، فاختارَ الآخرة، وكذلك فعلَ في حديث جبريل حين أتاه
(١) في المنتقى: ٢/ ٣٠ وفي نسبة هذا القول إلى الإمام أبي الوليد الباجي نظر؛ لأنّ الباجي نفسه حكاه في كتابه على أنّه قول ضعيف من أقوال الإمام الدّاودي، يقول رحمه الله: "وقال الدّاودي: "الرّفيق اسم لكل سماء، وأراد الأعلى منها؛ لأنّ الجنَّة فوق ذلك"، ولا نعلم أحدًا من أهل اللُّغة ذكره، وأراه وَهَمٌ".
(٢) قوله: "الأعلى السابعة" كذا في النّسختين.
(٣) في الموطّأ (٦٤٠) رواية يحيى.
(٤) ما عدا السطر الأوّل مقتبس من الاستذكار: ٨/ ٢٤٦ - ٣٤٧ بتصرُّف وزيادات.
(٥) وهذا البلاغُ موصول من حديث عروة عن عائشة في صحيح البخاريّ (٤٤٣٥، ٤٥٨٦)، ومسلم (٢٤٤٤).
(٦) الأعلى: ١٧.
(٧) النِّساء: ٦٩.
(٨) انظر تخريجنا للحديث السابق.