وقال ابنُ حبيب (١): "هو بِرَفْعِ القاف على معنى الخبر أنّه (٢) يَغْلَقُ فَيُحْبَسُ بما رُهِنَ (٣)، فلذلك ارْتَفَعَ. ولو كان نهيًا لكان جَزمًا. ثمّ يكسر لالتقاء السّاكنين" (٤).
وقال غيره: هو على فعَل بفتح العين وكذلك المستقبل.
الأصول (٥):
قال الإمام: الرَّهْنُ مصلحةٌ من مصالح الخلائقِ، شَرَعَها اللهُ تعالى لمن لم يرضَ بِذِمَّةِ صاحبِهِ الّذي عامَلَهُ، وفائدتُه: التّوثيقُ للخَلقِ، مخافَةَ ما يطرأُ عليهم من التَّعَذُّرِ، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} الآية (٦).
فظنَّ قومٌ أنّ ذلك مخصوصٌ بالسَّفَر (٧)، وإنّما خرجَ الكلامُ في ذِكرِ السَّفَرِ مَخرَجَ سَبَبِ الحاجة وموضِعِهَا، لا أنّه شرطٌ فيها، والدّليلُ على صِحَّة ذلك: ما رَوَى الأيمّةُ في الصّحيح وغيرِه، أنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - ابتاعَ بِالمَدِينَةِ من يَهُودِيٍّ شَعِيرًا إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ (٨).
واختلف النَّاس في قوله: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (٩) فجعلَ القبضَ شرطًا في الرَّهنِ في موضعين:
أحدُهما: أنّه لا يكونُ رهنًا يُقْبَضُ، وحينئذٍ يكون له حُكمُ الرَّهنِ.
والثّاني: أنّه إذا قُبِضَ، هل يَلزَمُ دائمًا فيه؟ فإن خرجَ عنه بَطَلَ، أم يكفي له قبضُ
(١) في تفسيره لغريب الموطَّأ: الورقة ١٠٥ ٢/ ٩.
(٢) في تفسير الغريب: "برفع القاف لأنّه ليس بنَهْيِ ولكنّه خبرٌ يخبرُ به أنّه .... "
(٣) تتمّة الكلام كما في شرح الغريب: " ... رهن به اشترط أو لم يشترط".
(٤) في تفسير الغريب: "ثمّ خفضًا للقْيِهِ الألفّ واللَّامَ"، وانظر غريب الحديث لأبي عبيد: ١/ ١١٤ - ١١٦.
(٥) انظره في القبس: ٣/ ٩٠٢.
(٦) البقرة: ٢٨٣.
(٧) هو قول مجاهد كما نصّ على ذلك المؤلِّف في الأحكام: ١/ ٢٦٠.
(٨) أخرجه البخاريُّ (٢٠٦٩) من حديث أنس.
(٩) البقرة: ٢٨٣.