قال الإمام الحافظ -رضي الله عنه (١) -: يروي هذا الحديث حَفْصُ بنُ مَيْسَرَةَ، عن زَيْدٍ، عنِ الأعْرَجِ، وبُسْرٍ، وأبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ (٢)، فجعلَ مكانَ عطاءٍ أبا صالح، والحديثُ صحيحٌ (٣).
قولُ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: "مَن أَدْرَكَ رَكْعَةً" الحديث، اختلَفَ العلماءُ في هذا الحديث على خمسة أقوال (٤):
القولُ الأوّل: قال بعضُ علمائنا في تأويل هذا الحديث، معناه: من أدرك من الصّلاة شيئًا فقد أدرك فَضْلَ الجماعةِ، واستدلُّوا على ذلك: بأنّ السّاعي إلى الصّلاة ومنتظرها في صلاةٍ. وبما رُوِيَ عن أبي هريرة (٥)؛ أنّه قال: إذا انتهى الرَّجُلُ إلى القوم وهم قعودٌ في آخر صلاتهم، فقد دخل في التَّضعِيفِ (٦). وقال عطاء: إذا خرج الرَّجلُ من بيته وهو ينويهم (٧)، فقد دخل في التَّضْعيفِ أيضًا.
القولُ الثاني - قيل (٨): من أدرك التَّشهُّدَ فقد أدرك فضلها، قالوا: والفضائلُ لا تُدْرَكُ بقياسٍ.
القولُ الثالثُ - قال آخرون: معنى هذا الحديث: أنّ من أدركَ ركعةً من الصّلاةِ هو مُدْرِكٌ لحُكمِها كلِّها، وهو كمن أدركَ جميعها فيما يفوته من سهو الإمام وسجوده لسهوه.
القولُ الرابعُ: قال الشيخ أبو عمر - رضي الله عنه (٩) -: "معنى هذا الحديث يقتضي
(١) هذه الفقرة مقتبسة من الاستذكار: ١/ ٥٥ (ط. القاهرة).
(٢) رواه ابن عبد البرّ في التمهيد: ٣/ ٢٧٢ - ٢٧٣، والطيالسي (٢٥٠٣) وابن حبان (١٤٨٤).
(٣) الّذي في الاستذكار: "وهو إسناد مُجْمَعٌ على صحّته".
(٤) هذه الأقوال مقتبسة من شرح ابن بطّال على البخاري: ٢/ ٢٠٣ - ٢٠٤
(٥) رواه ابن أبي شيبة (٤١٤٦).
(٦) أسقط المؤلِّف أو الناسخ عبارة: "وإذا انتهى إليهم قد سَلَّمَ الإمام ولم يتفرّقوا فقد دخل في التضعيف" ونظنّ أنّ هذا السّقط حدث بسبب انتقال النّظر.
(٧) تتمة الكلام كما في المصنف: "فأدركهم أو لم يدركهم".
(٨) القائلان بهذا هما أبو وائل وشريك، كما في شرح ابن بطّال.
(٩) بنحوه في الاستذكار: ١/ ٥٩ (ط. القاهرة)، وانظر التمهيد: ٣/ ٢٨٦