قال الإمام الحافظ أبو عمر - رضي الله عنه (١) -: معناه عند أهل الفقه واللُّغة: أنّ الّذي يُصابُ بأهله ومَالِهِ يَجتَمِعُ عليه غَمَّانِ: غَمٌّ لذَهَابِ أهلِهِ ومَالِهِ، وغَمٌّ لما يُقَاسِي من طَلَبِ التَّرّة (٢)، كأنّه يقول: الّذي تفوتُه صلاةُ العصرِ لو وُفِّقَ لِرُشْدِهِ وعرفَ قَدْرَ ما فاتَهُ من الفضلِ والخيرِ، كان كالّذي أُصيبَ بأهلِهِ ومالِهِ، وأنشدُوا في المعنى (٣):
كَأنَّمَا الذِّئبُ إذْ يَعْدُو عَلَى غَنَمِي ... في الصُّبحِ طَالِبُ وِتْرٍ كانَ فاتَّأَرَا
قال علماؤنا (٤): هو أنّ تفوتَهُ صلاةُ العصرِ من غيرِ (١) عُذْرٍ حتْى تغربَ الشّمسُ، ولا يُدْرِكُ منها ركعةً قبلَ الغروبِ.
وأمّا من قال: إنّ ذلك أَنْ يؤخِّرَهَا حتّى تَصْفَرَّ الشّمسُ، فليسَ بشيءٍ.
والدّليلُ على ذلك: قولُه: "الّذِي تَفُوتُهُ" والفَوْتُ الذَّهابُ.
وقال علماؤنا من أهل الحديث (٥): قد يَحتَمِلُ أنّ يكونَ تخريجُ قولِه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث على جوابِ سائل سألَ، كأنّه قالَ: يا رسولَ الله، الّذي تفوتُه صلاة العصر؟ فقالَ رسولُ الله: هو كَمَن وُتِرَ أهلَهُ وَمَالَهُ، فإن كان هذا، فقد دخَلَ في معنى العصر (٦)، والله أعلمُ.
واختَلَف العلماء (٧) في معنى "الفَوْت"؟
فقال الأَصِيلِىُّ: هو الّذي تَغرُبُ الشّمسُ ولم يُدْرِك شيئًا، وهذا أشبه بالفَوْتِ.
(١) في الاستذكار: ١/ ٨٦ (ط. القاهرة) بنحوه.
(٢) أي الثأر. انظر التمهيد: ١٤/ ١٢٣، وشرح الزرقاني على الموطأ: ١/ ٢٩.
(٣) أورده الجاحظ في الحيوان: ٢/ ٢٠٣، ٢٧٧، وابن عبد البرّ في التمهيد: ١٤/ ١٢٤.
(٤) المرادْ وابن عبد البرّ في الاستذكار: ١/ ٨٦ (ط. القاهرة).
(٥) المراد هو الإمام ابن عبد البرّ في المصدر السابق: ١/ ٨٦ - ٨٧ (ط. القاهرة).
(٦) الّذي في الاستذكار: (فيدخل في معنى العصر حينئذ الصُّبح والعشاء بطلوع الشّمس وطلوع الفجر".
(٧) أغلب هذه الأقوال مقتبسٌ من المنتقى: ١/ ٢١ - ٢٢.