وخرَّجَ مسلم حديثًا صحيحًا عن أبي هريرة؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "أَشَدُ النَّاسِ حُبًّا لِي أُنَاسًا يكونونَ بعدي يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رآني لقاسَمَنِي في مَالِهِ وأهْلِهِ". خرجه مسلم في "كتابة" (١).
الفائدة العاشرة:
قولُه: "بَل أَنتُم أصحَابِي" فسمّاهم باسمٍ هو أفضل من الأخُوَّةِ، وهم مع ذلك إخوانه.
وقد رُوِيَ في حديث أنّه ذَكَر مَنْ يأتي بعدَهُ، فقال: "للعامل منهم أجر خمسين منكم"، قالوا: بل منهم. قال: "بل منكم؛ لأنكم تجدون على الخير أعوانًا، ولا يجدون هم عليه أعوانًا" (٢).
قال الإمام: فإن كان هذا الحديث صحيحًا، لهم على قلَّة ما يجدون من الخير أجر خمسين لو لم تكن للصّحابة صُحْبَة، ولكن للصّحابة فضل الصُّحبة لا يعدله شيءٌ، وهذا على التّفضيل والخصوص.
وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} الآية (٣) وإنّما كانوا كذلك لما وصفهم الله أنّهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فَمَنْ فعلَ فعلهم فهو منهم.
وقوله: "خير النَّاسِ قَرْنِي" (٤) أي خيرُ النَّاس في قرني؛ لأنّ هذا الكلام ليس على عمومه؛ لقوله -عليه السّلام-: "أُمَّتِي كالْمَطَرِ لا يُدْرى أوَّلُه خيرٌ أم آخِرُهُ" (٥).
قيل: إنّ هذا الحديث يقضي على الأوّل؛ لأنّ قرْنَهُ قد كان فيه الزِّنا والسَّرقة وغير ذلك، فليس هو على عمومه.
وقال علماؤنا: يحتمل أنّ يكون خاطبَ بذلك أصحابه وهو يريد من يأتي بعدَهُم،
(١) الحديث (٢٨٣٢).
(٢) أخرجه مُطَولًا أبو داود (٤٣٤١)، وابن ماجه (٤٠١٤)، والترمذي (٣٠٥٨) وقال: "هذا حديث حسن غريب، وابن حبّان (٣٨٥)، والبيهقي: ١٠/ ٩٢.
(٣) آل عمران: ١١٠.
(٤) أخرجه البخاريّ (٢٦٥٢)، ومسلم (٢٥٣٣) من حديث عبد الله بن مسعود.
(٥) أخرجه بهذا اللفظ القضاعي في مسند الشهاب (١٣٤٩) من حديث ابن عمر.