بعضُ السَّببِ فيه، ونَفَى الآخر عن نفسه إذ هو فيه كالبشر" (١).
وذهبت طائفةٌ من أهل الحديث والمعاني والشُّروحات (٢) إلى أنّ النَّبىَّ - صلّى الله عليه وسلم - لم يكن يسهو (٣) في صلاته، ولا ينسى عَمدًا ولا سَهْوًا ولا غَفْلَةً؛ لأنّ النِّسيانَ ذهولٌ وغَفْلَةٌ وآفَةٌ، قالوا: والنّبيُّ عليه السّلام مُنَزَّهٌ عنها، والسَّهوُ شُغْل (٤)، فكان صلّى الله عليه يَسهُو في الصّلاة ويُشغِلُه عن حركات الصَّلاةِ ما في الصّلاة شُغْلًا بها, لا غَفْلَةَ عنها، وهذا القائل هذا القول يقول في الرِّواية الأخرى: "إنِّي لأنْسَى".
وذهبت طائفةٌ إلى منع هذا كلِّه عنه، وقالوا: إنّ السَّهوَ منه -عليه السّلام- كانَ عَمدًا وقَصدًا ليُبَيِّنَ ويَسُنَّ.
وهذا قولٌ متناقضُ المقاصدِ؛ لأنّه كيف يكون مُتَعَمدًا ساهيًا في حالٍ؟! ولا حُجَّةَ لهاتين الطَائفَتَين في قوله: "إنِّي لأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لأَسُنَّ" (٥).
ولو تتبّعنا القول على معاني هذا الحديث، والاحتجاج لكلِّ فرقة لطالَ وخرجنا عن المقصد.
الفقه:
لُبَابُه في ستِّ مسائل:
المسألة الأولى:
أنّ نقول: السَّهوُ عنه لا يخلو أنّ يكون فَرْضًا أو سُنَّةً أو فضيلةً. فإن كان فَرْضًا، فلا يجزئ فيه سجود السَّهو أَلْبَتَّةَ.
وإن كان سُنَّةً، جُبِرَ بالسُّجود دون خلافٍ عندنا، إلَّا ما رُوِيَ عن سحنون؛ أنَّه قال: إذا كثرت السُّنَن لا يسجد لها.
فإن كان (٦) فضيلة، ففيها قَوْلان، والفضائل عشر أو نحوها، وإن كانت
(١) م، غ: "كالبشر"، جـ: "كالفصر" والمثبت من الشِّفا. وفي المنتقى: "كالمضطرّ إليه".
(٢) م, جـ: "والشّرحات" وفي الشِّفا: "والكلام على الحديث".
(٣) كذا في النّسخ، ولعل الصواب هو ما في الشفا: "وكان يسهو".
(٤) غ، جـ: "الشغل" وهي ساقطة من: م، والصواب ما أثبتناه من الشِّفا؛ لأنّ ما في النسختين تصحيف ظاهر.
(٥) هنا ينتهي النقل من القاضي عياض في كتابه الشِّفا: ٢/ ٢٢٦.
(٦) جـ: "كانت".