وأما قول الله سبحانه: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) الدخان: ٤٩ .
فبعض الناس يذهب به هذا المذهب، أي أنت الذليل المهان.
وبعضهم يريد: أنت العزيز الكريم عند نفسك. وهو معنى تفسير ابن عباس لأن أبا جهل قال: ما بين جبليها أعزّ مني ولا أكرم، فقيل له: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) الدخان: ٤٩ .
ومن ذلك أن يسمّى المتضادّان باسم واحد، والأصل واحد.
فيقال للصبح: صريم، ولليل: صريم. قال الله سبحانه: فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) القلم: ٢٠ ، أي سوداء كالليل، لأنّ الليل ينصرم عن النّهار، والنهار ينصرم عن الليل.
وللظّلمة: سدفة. وللضوء: سدفة. وأصل السّدفة: السّترة، فكأن الظلام إذا أقبل ستر للضّوء، والضوء إذا أقبل ستر للظلام.
وللمستغيث: صارخ. وللمغيث: صارخ، لأن المستغيث يصرخ في استغاثته، والمغيث يصرخ في إجابته.
ولليقين: ظنّ، لأنّ في الظن طرفا من اليقين. قال الله عز وجل: قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ البقرة: ٢٤٩ ، أي يستيقنون. وكذلك: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) الحاقة: ٢٠ ، وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها الكهف: ٥٣ ، وإِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ البقرة: ٢٣٠ ، هذا كلّه في معنى (اليقين) .
قال دريد بن الصّمة «١» :
فقلت لهم: ظنّوا بألفي مدجّح ... سراتهم في الفارسيّ المسرّد
أي تيقنوا بإتيانهم إيّاكم.
وكذلك جعلوا (عسى) شكّا ويقينا، (ولعلّ) شكّا ويقينا. كقوله: فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ الأنبياء: ٣١ ، أي ليهتدوا.
(١) البيت من الطويل، وهو في ديوان دريد بن الصمة ص ٤٧، ولسان العرب (ظنن) ، والأصمعيات ص ١١٢، وجمهرة أشعار العرب ص ١١٧، وما اتفق لفظه واختلف معناه للمبرد ص ٩، والأضداد لابن الأنباري ص ١٢، والأغاني ٩/ ٤، وتفسير الطبري ١/ ٢٥٦، وتفسير البحر المحيط ١/ ١٨٥، وشرح ديوان الحماسة للتبريزي ٢/ ٣٠٥، والبيت بلا نسبة في تفسير الطبري ٢٥/ ٨٣، وتفسير البحر المحيط ٢/ ٨٨، وأسرار العربية ص ١٥٦، وشرح المفصل ٧/ ٨١، والمحتسب ٢/ ٣٤٢، ومجالس ثعلب ص ١٩٩. .....