وَقَوْلُهُ: حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، هَذَا وَهْمٌ، وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ، وَاعْتَذَرَ هَذَا الْجَاهِلُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَرَادَ بِابْنِ عَبَّاسٍ كِنَانَةَ بْنَ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إذَا أُطْلِقَ فَلَا يُرَادُ بِهِ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَلَوْ أَرَادَ كِنَانَةَ لَقَيَّدَهُ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَذْكُرَ التَّابِعِيَّ دُونَ الصَّحَابِيِّ، عِنْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ، وَلَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ ١ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً ضَخْمَةً بطيئة ثبطة، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، فَأَذِنَ لَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَيْتَنِي كُنْت اسْتَأْذَنْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تُفِيضُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ ٢ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ، فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ , وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ , فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ , فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوْا الْجَمْرَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا ٣ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا ٤ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا رَمَتْ الْجَمْرَةَ، قُلْت لَهَا: إنَّا رَمَيْنَا الْجَمْرَةَ بِلَيْلٍ، قَالَتْ: إنَّا كُنَّا نَصْنَعُ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ٥ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَلَسٍ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ ٦ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ
١ عند مسلم، واللفظ له: ص ٤١٨، والبخاري "باب من قدم ضعفة أهله بليل" ص ٢٢٨.
٢ عند البخاري في "باب من قدم ضعفة أهله بليل" إلخ: ص ٢٢٧ - ج ١، وعند مسلم: ص ٤١٨.
٣ عند البخاري: ص ٢٢٧، وعند مسلم: ص ٤١٨.
٤ عند البخاري: ص ٢٢٧، وعند مسلم: ص ٤١٨ معناه، واللفظ لأبي داود: ص ٢٦٨.
٥ عند مسلم: ص ٤١٨ - ج ١.
٦ عند مسلم: ص ٤١٨، وعند أبي داود في "باب التعجيل من جمع" ص ٢٦٨، وعند النسائي في "باب تقديم النساء والصبيان إلى منازلهم" ص ٤٦ - ج ٢، وعند الترمذي في "باب ما جاء في تقديم الضعفة من جمع بليل" ص ١٢١ - ج ١.