قلتُ: تقدّمَ (٣) هذان الحديثان اللذان أشارَ إليهما الإمام. كلٌّ منهما في بابِهِ.
وتقدّمَ حديثُ " المسلمونَ على شروطهم " (٤)، فيُؤخذُ منه: جوازُ أخذِها العوضَ إذا رضيا بهِ.
عن عمْرو بنِ شُعَيْبٍ عن أبيهِ عن جدِّهِ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: " لا يجوزُ لأمرأةٍ تصَرّفٌ في مالِها بعدَ أن ملَك الزّوجُ عِصْمتَها " (٥)، رواهُ أبو داودَ، والنّسائيُّ، وابنُ ماجة من طرقٍ إلى عمْرٍو، فهو: صحيحٌ عنه، وحديثُهُ حجّةٌ عندَ كثيرٍ من الأئمّةِ.
فيُؤخذُ منهُ: أنهُ لا يجوزُ تصرّفُ المرأةِ في ما أخذتْ من الكسْوةِ وغيرِها إلا بإذنِ زوجِها.
عن فاطمةَ بنتِ قيسٍ: " إنّ زوجَها طلَّقها البتّةَ فأرسلَ إليها وكيلهُ بشعيرٍ فسخِطتْهُ، فجاءتْ رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فقالَ: ليسَ لكِ عليهِ نفقةٌ " (٦)، أخرجاهُ.
ولمسلمٍ: " ولا سُكْنى " (٧).
استدَلَّ الشافعيُّ بهذا الحديثِ على عدمِ النّفقةِ للمبتوتةِ، وأمّا نفْيُ السّكنى، فقدْ تقدّمَ كلامُهُ في ردِّهِ، بإنكارِ عائشةَ، ومَرْوانَ، وسعيدِ بنِ المسيَّبِ، وغيرهم، ذلكَ على فاطمةَ، وإنّها إنّما سقطَتْ سُكناها بسببٍ، وأخذَ الشافعيُّ ومَنْ وافقَهُ بظاهرِ الآيةِ: " أسْكِنوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضارّوهُنَّ لِتُضيِّقُوا عليْهِنَّ وإنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْل فأنْفِقُوا عليْهنَّ حّتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ".
وقد احتجَّ عمرُ بنُ الخطابِ بهذهِ الآيةِ على ردّ حديثِ فاطمةَ، وخبرُهُ في صحيحِ (٨) مسلمٍ.
(٣) تقدما.
(٤) تقدما.
(٥) أبو داود (٢/ ٢٦٣) والنسائي (٦/ ٢٧٨) وابن ماجة (٢٣٨٨).
(٦) لم أجده في البخاري، ورواه مسلم (٤/ ١٩٥)، لم يعزه البيهقي إلا إلى مسلم.
(٧) مسلم (٤/ ١٩٥).
(٨) مسلم (٤/ ١٩٨).