ومُخاطبتهم التي من بعدِ الإسارِ، فقالَ شاعرُهُمْ:
ألا يا أصحابنا قبلَ نائرةِ الفجر... لعلَّ منايانا قريبٌ ولا نَدري
أطعنا رسولَ اللهِ ما كانَ بيننا... فيا عجباً ما بالُ مُلْكِ أبي بكر
فإنّ الذي سألوكم فمنَعْتُمُ... لكَالتمرِ أو أحْلى إليهمْ مِن التمرِ
سنمعنهم ما كان فينا بقية... كرامٌ على العزاء في ساعة العسر
قالَ الشافعيُّ: وقالوا لأبي بكرٍ بعدَ الإسارِ: ما كفرْنا بعدَ إيمانِنا، ولكنْ شَحَحْنا على أموالِنا، ومرادُ الشافعيِّ: أنهُ قاتلَ بعضَ العربِ على منعِ الزّكاةِ، وقدْ قاتلَ أصحابَ مُسَيْلمةَ على الرّدّة.
عن مَرْوانَ بنِ الحكم، قالَ: " صرخَ صارخٌ لعليٍّ يومَ الجملِ: لا يُقْتَل مُدْبرٌ، ولا يُدَفّفْ على جَريحٍ، ومنْ أغلقَ بابهُ فهوَ آمنٌ، ومنْ ألقى السّلاحَ فهو آمنٌ " (١٦)، رواهُ الشافعيُّ وسعيدُ بنُ منصورٍ.
وقالَ أبو بكر بنُ أبي شَيْبةَ حدَّثنا حفصُ بنُ غياثٍ عن جعفرِ بنِ محمدٍ عن أبيهِ، قالَ: " أمرَ عليٌّ مناديهِ فنادى يومَ البصرةِ: لا يُتبعْ مُدْبرٌ، ولا يُدَفَّفْ على جريحٍ، ولا يُقْتَلْ أسيرٌ، ومَنْ أغلقَ بابهُ فهوَ آمنٌ، ومَنْ ألقى سلاحَهُ فهو آمِنٌ، ولمْ يأخذْ من متاعِهِم شيئاً " (١٧)، وهذا: منقطعٌ، وهو: حسنٌ.
وعن أبي أُمامةَ، قالَ: " شهدتُ صِفّينَ، فكانوا لا يُجيزونَ على جَريحٍ، ولا يقتلونَ مُوَلّياً، ولا يَسلبون قتيلاً " (١٨)، رواهُ البيهقيُّ بإسنادٍ صحيحٍ.
فأمّا الحديثُ الذي تفرّد بهِ كَوْثَرُ بنُ حَكيمٍ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: " يا ابنَ أُمِّ عبدٍ، أتدري كيفَ حكمُ اللهِ فيمن بَغى من هذهِ الأمّةِ؟، قالَ: اللهُ ورسولُهُ أعلمُ، قالَ: لا يُجهز على جريحِها، ولا يُقْتل أسيرُها، ولا يُطلَب
(١٦) الشافعي (٤/ ٢١٦)، والبيهقي (٨/ ١١١) من طريق الشافعي.
(١٧) ابن أبي شيبة (١٥/ ٢٨٠ - ٢٨١).
(١٨) البيهقي (٨/ ١٨٢)، قلت: والحاكم (٢/ ١٥٥).