كَانَ قَدْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَقَالَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (١).
وَقَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ: حَمْلُ اللَّبِنِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ لَا مَعْنَى لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى النَّاقِلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (٢).
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي الْخَنْدَقِ وَهُمْ يَحْفِرُونَ، وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَافِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-:
"اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ ... فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ" (٣)
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَا تَحْسَبَنَّ عَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي الْخَنْدَقِ وَقَذْفَ أَتْرِبَتِهِ مِنْ قَبِيلِ التَّمْثِيلِ الذِي يُحْسِنُهُ بَعْضُ الزُّعَمَاءَ، كَلَّا، كَلَّا.
إِنَّ الرُّجُولَةَ الْكَادِحَةَ الْجَادَّةَ فِي أَنْبَلِ صُوَرِهَا كَانَتْ تُقْتَبَسُ فِي مَسْلَكِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي هَذِهِ الْمَعْرَكَةِ، يَقُولُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ -رضي اللَّه عنه-: لَقَدْ وَارَى عَنِّي التُّرَابُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ.
أَجَلْ إِنَّهُ اسْتَغْرَقَ فِي الْعَمَلِ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَالرُّجُولَةُ الصَّادِقَةُ لَا تَعْرِفُ التَّمْثِيلَ. . . (٤).
(١) انظر دلائلَ النُّبوَّة للبيهقي (٢/ ٥٤٩).
(٢) انظر البِدايةَ والنِّهايةَ (٣/ ٢٣١).
(٣) أخرجه البخاري - كتاب المغازي - بابُ غزوةِ الخندقِ - رقم الحديث (٤٠٩٨) - وأخرجه مسلم - كتابُ الجِهادِ والسِّيَرِ - باب غزوة الأحزاب - رقم الحديث (١٨٠٤).
(٤) انظر فِقْهَ السِّيرةِ ص ٢٩٥ للشَّيخ محمَّد الغزاليِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.