حَتَّى دَخَلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ صَفْوَانُ بنُ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةُ بنُ أَبِي جَهْلٍ، وَسُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو (١) بِالخَنْدَمَةِ، فِي جَمْعٍ مِنْ أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهَا، فَمَنَعُوهُ مِنَ الدُّخُولِ، وَشَهَرُوا السِّلَاحَ، وَرَمَوْهُ بِالنَّبْلِ، فَقَاتَلَهُمْ خَالِدٌ -رضي اللَّه عنه-، فَقتَلَ مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَانْهَزَمُوا، وَاسْتَمَرَّ خَالِدٌ -رضي اللَّه عنه- يَدْفَعُهُمْ حَتَّى انْتَهَى بِهِمُ القَتْلُ إِلَى بَابِ المَسْجِدِ، فَلَمَّا رَاَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ، صَاحَ بِهِمْ: مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَجَعَلُوا يَقْتَحِمُونَ الدُّورَ، وَيُغْلِقُونَ أَبْوَابَهَا عَلَيْهِمْ (٢).
* شَأْنُ حِمَاسِ (٣) بنِ قَيْسٍ:
وَكَانَ مِنْ بَيْنِ الذِينَ انْهَزَمُوا حِمَاسُ بنُ قَيْسٍ مِنْ بَنِي بَكْرٍ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ المُسْلِمِينَ يُعِدُّ سِلَاحَهُ وَيُصْلِحُهُ لِقِتَالِ المُسْلِمِينَ.
فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: لِمَاذَا تُعِدُّ سِلَاحَكَ؟ قَالَ: لِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ.
قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَرَى يَقُومُ لِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ.
قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أُخْدِمَكِ بَعْضَهُمْ.
فَلَمَّا انْهَزَمَ حِمَاسٌ وَفرَّ، دَخَلَ بَيْتَهُ، وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَغْلِقِي عَلَيَّ بَابِي.
قَالَتْ: فَأَيْنَ مَا كُنْتَ تَقُولُ؟
قَالَ:
(١) كل هؤلاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أسلموا، وحسن إسلامهم.
(٢) انظر سيرة ابن هشام (٤/ ٥٥) - دلائل النبوة للبيهقي (٥/ ٤١) - الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (٢/ ٣١٧).
(٣) قال الحافظ في الإصابة (٢/ ١٠٢): حِماس: بكسر الحاء.