وَلَا نَتَخَلّفُ عَنْ عِيرِنَا! وَلَمّا تَوَجّهَ زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ خَارِجًا، وَكَانَ بِذِي طُوًى (١) ، أَخْرَجَ قِدَاحَهُ فَاسْتَقْسَمَ بِهَا، فَخَرَجَ النّاهِي لِلْخُرُوجِ، فَلَقِيَ غَيْظًا، ثُمّ أَعَادَهَا الثّانِيَةَ فَخَرَجَ مِثْلُ ذَلِكَ، فَكَسَرَهَا، وَقَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قِدَاحًا أَكْذَبَ مِنْ هَذِهِ! وَمَرّ بِهِ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاك غَضْبَانَ يَا أَبَا حُكَيْمَةَ؟ فَأَخْبَرَهُ زَمَعَةُ فَقَالَ: امْضِ عَنْك أَيّهَا الرّجُلُ، وَمَا أَكْذَبَ مِنْ هَذِهِ الْقِدَاحِ! قَدْ أَخْبَرَنِي عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ مِثْلَ الّذِي أَخْبَرْتنِي أَنّهُ لَقِيَهُ. ثُمّ مَضَيَا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ.
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ: حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ لِضَمْضَمٍ: إذَا قَدِمْت (٢) عَلَى قُرَيْشٍ فَقُلْ لَهَا لَا تَسْتَقْسِمُوا (٣) بِالْأَزْلَامِ.
حَدّثَنِي محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: سَمِعْت حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ يَقُولُ: مَا وَجّهْت وَجْهًا قَطّ كَانَ أَكْرَهَ لِي مِنْ مَسِيرِي إلَى بَدْرٍ، وَلَا بَانَ لِي فِي وَجْهٍ قَطّ. مَا بَانَ لِي قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ.
ثُمّ يَقُولُ: قَدِمَ ضَمْضَمٌ فَصَاحَ بِالنّفِيرِ، فَاسْتَقْسَمْت بِالْأَزْلَامِ، كُلّ ذَلِكَ يَخْرُجُ الّذِي أَكْرَهُ، ثُمّ خَرَجْت عَلَى ذَلِكَ حَتّى نَزَلْنَا مَرّ الظّهْرَانِ (٤) .
فَنَحَرَ ابْنُ الْحَنْظَلِيّةِ (٥) جُزُرًا، فَكَانَتْ جَزُورٌ مِنْهَا بِهَا حَيَاةٌ، فَمَا بَقِيَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ إلّا أَصَابَهُ مِنْ دَمِهَا، فَكَانَ هَذَا بَيّنًا. ثُمّ هَمَمْت بِالرّجُوعِ، ثُمّ أَذْكُرُ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ وَشُؤْمَهُ، فَيَرُدّنِي حَتّى مَضَيْت لِوَجْهِي.
(١) ذو طوى: واد بمكة. (معجم ما استعجم، ص ٤٥٧) .
(٢) فى ت: «أتيت» .
(٣) فى ب، ت، ح: «لا تستقسم» .
(٤) مر الظهران على مرحلة من مكة. (معجم البلدان، ج ٨، ص ٢١) .
(٥) ابن الحنظلية: كنية أبى جهل.