البلاء، ثم الصبر على تكاليف الجهاد، وعلى معاناة البلاء .. ونبصر لفتة ذات مغزى: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢)}!
فلا يكفي أن يجاهد المؤمنون .. بل لا بد لهم من الصبر.
الصبر على تكاليف هذه الدعوة أيضاً، التكاليف المستمرّة المتنوّعة التي لا تقف عند الجهاد في الميدان، فربما كان الجهاد في الميدان أخفّ تكاليف هذه الدعوة التي يطلب لها الصبر، ويختبر بها الإيمان .. إنما هنالك المعاناة اليوميّة التي لا تنتهي: معاناة الاستقامة على أفق الإيمان، والاستقرار على مقتضياته في الشعور والسلوك!
والصبر في أثناء ذلك على الضعف الإنساني: في النفس وفي الغير، ممن يتعامل معهم المؤمن في حياته اليوميّة!
والصبر على الفترات التي يستعلي فيها الباطل وينتفش ويبدو كالمنتصر!
والصبر على طول الطريق وبعد المشقة وكثرة العقبات!
والصبر على وسوسة الراحة وهفوة النفس لها في زحمة الجهد والكرب والنضال!
والصبر على أشياء كثيرة، ليس الجهاد في الميدان إلا واحداً منها في الطريق المحفوف بالمكاره، طريق الجنّة التي لا تنال بالأماني وبكلمات اللسان: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣)}!
وهكذا يقفهم السؤال وجهاً لوجه مرّة أخرى أمام الموت الذي واجهوه في المعركة، وقد كانوا من قبل يتمنون لقاءه، ليوازنوا في حسّهم بين وزن الكلمة التي يقولها اللسان، ووزن الحقيقة في العيان، فيعلّمهم بهذا أن يحسبوا حساباً لكل كلمة تطلقها ألسنتهم، ويزنوا حقيقة رصيدها الواقعي في نفوسهم، على ضوء ما واجهوه من حقيقتها حين واجهتهم!