وهنا نبصر كيف كان حسّ هذا الرّهط الكريم!
وكيف كانت جدية وقعه في نفوسهم!
وكيف كانوا يتلقّونه وهم يشعرون أنه أوامر مباشرة للتنفيذ، وتقريرات حاسمة للطاعة، وأحكام نهائيّة للنفاذ!
وكيف كانوا يجزعون أن يؤاخذوا بأيّ درجة من درجات التقصير، والتفاوت بين عملهم وبين مستوى التكليف، حتى يأتيهم التيسير! (١)
هكذا كان يتنزّل القرآن الكريم على هؤلاء الرّهط غضًّا، وتشربه نفوسهم، وتعيش به وله، وتتعامل به وتتعايش بمدلولاته وإيحاءاته ومقتضياته، في جدّ وفي وعي وفي التزام عجيب، تأخذنا روعته، وتبهرنا جدّيّته، وندرك كيف كان هذا الرهط الفريد من الناس!
وكيف صنع الله بهذا الرهط ما صنع من الخوارق، في ربع قرن من الزمان!
إنه الإيمان الذي يضفي على أهله الأمن والأمان، واليقين والطمأنينة!
سؤال الأمن يوم الخوف
ويطالعنا سؤال الأمن يوم الخوف، فيما رواه الحاكم وغيره بسند رجاله ثقات عن عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي، عن أبيه، قال: لمَّا كان يوم أحد انكفأ المشركون، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَوُوا حتى أُثْني على ربِّي عزّ وجل".
= والطبري: التفسير: ٧: ٢٥٥، ٢٥٦، وأبو يعلى (٥١٥٩)، وأبو عوانة: ١: ٧٣، ٧٤، والشاشي (٣٣٤ - ٣٣٧)، وابن منده: الإيمان (٢٦٦، ٢٦٧، ٢٦٨)، والبيهقي: ١٠: ١٨٥، وابن حبان (٢٥٣).
(١) في ظلال القرآن: ٢: ١١٤٣ بتصرف.