ومن عجيب أن الملّة البيضاء ما تزال قويمة البناء، ممتدّة النماء بحرارة أنفاس الفقراء!
ولقد فقدتم القوّة في سحر الكلام، ومررتم بالمواعظ مرّ الكرام، ولولا روح من بلال ما بقي للأذان جمال!
مساجدكم تبكي قلّة صفوفها، والمحراب موحش من المصلّين، والمنابر ساخرة من سيوف تحوّل حديدها إلى خشب لا يقاوم النار!
أما دياركم فقد امتلأت بالمفاخر والرتب والألقاب، الميرزا في إيران وفي غيرها الصاحب والخان، ولكننا ننشد رتبة المسلم في هذه الأوطان!
عندما كان المسلم ينهض إلى طلب المجد فكم اقتحم الصعاب، وعزمه غير هيّاب!! وكم كان عدله ميزاناً للصواب لم يلوّثه رياء، ولم يفسده دهاء، تخطى بشجاعته الأوهام، وفاق الأحلام!! .. كان خالياً من المقاصد الشخصيّة، والمتع النفسيّة، مثل الكأس المليئة بالشراب وشرابها لغيرها!
وكان المسلم مشرطاً لعروق الباطل، وكان العمل في قانون حياته هو الجوهر لا العرض، معتمداً على قوّة ساعده بعد ربّه .. وإذا كنتم تخافون الموت، فقد كان خوفه من الله الذي خلق الموت والحياة!
أين فيكم دولة عثمان ورفده؟! وفقر عليّ وزهده؟! وما الذي بقي لديكم من فضائل المسلمين الأوّلين، وتراث المؤمنين السابقين؟!
لقد أصبح بعضكم يبغي على بعض، بينما هم كانوا متراحمين! كم تخطئون وتغتابون الصالحين؟! وكم ستروا عيوب الخلق وهم أئمة المتقين؟!