وإنذاراً إلى أن هذا العفن الذي يغمر العالم إنما هو من صنع الناس أنفسهم، وأنهم يغرقون إلى أذقانهم بما صنعوا!
وقد يسأل سائل: أتنقدح المعارف المتصلة بالكون وما وراءه، والناس وما يفيضون فيه، في نفوس المرسلين فجأة، دون إعداد سابق أو تهيئة حكيمة؟
والجواب، كلا، فالأنبياء، وإن لم يتعلموا بالطرق والقوانين التي يتعلم بها أمثالنا (١)، لهم من سلامة فكرهم واستقامة نظرهم ما يجعلهم في الطليعة وإن لم يتعلموا بما نعهد من أساليب!
ما العلم الذي تربَّى به النفس؟! أهو حفظ الدروس واستيعاب القواعد والقوانين؟
إن هناك ببغاوات كثيرة تردد ما تسمع دون وعي، ولقد نرى أطفالاً يلقون - بإتقان وتمثيل- خطباً دقيقة لأشهر الساسة والقادة!
فلا الأطفال -بما استحفظوا من كلام هؤلاء- أصبحوا رجالاً، ولا الببغاوات تحولت بشراً .. وقد تجد من يحفظ، ويجادل ويغلب، ولكن العلم في نفسه كعروق الذهب في الصخور المهملة، لا يبعث على خير، ولا يزجر عن شر!
وشبه القرآن اليهود الذين يحملون التوراة ولا يتأدبون بها بالحمير!
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥)} (الجمعة)!
إنهم حمّلوا التوراة (٢) وكلفوا أمانة العقيدة والشريعة!
(١) فقه السيرة: ٧٠ وما بعدها بتصرف.
(٢) في ظلال القرآن: ٦: ٣٥٦٧ بتصرف.