وأما حق الجماعة في أموالنا، فحدّث عن البحر ولا حرج .. إن الحديث عنه يواجهنا في كل مكان من القرآن الكريم، في لهجة تشتدّ وتعلو، وتوجب وتحتّم، وتعد وتتوعّد، وتكرّر وتؤكّد!
يا سبحان الله!
ألم يكن حق النفس أولى بهذا التأكيد والتشديد؟!
أو لم يكن حق الأسرة أولى بأن يليه في الحضّ والتحريض؟!
وحق الجماعة البعيدة أولى أن يكون آخرها رتبةً وأبعدها منزلة؟!
إن الإنسان يأخذ بظاهر العلم، ويبني على بادي الرأي .. ولو أَتبع القرآن هداه، لكان كتاب تعليم وكفى، ولكن القرآن ليس خطاباً للعقول وحدها!
إنها خطاب للنفوس تربية وتهذيباً، وللقلوب علاجاً وتطبيباً .. فهل للطبيب أن يصف الدواء بغير داء؟!
والإنسان يقول: إن حق النفس أوجب .. وحق الأسرة إليه أقرب .. لقد صدق!
لكن باعث الطبيعة إليهما يسبق داعي الشريعة، وإن الطبيعة لأشدّ حرصاً على حق النفس منها على حق الجماعة .. فأيّ حاجة بنا إذن إلى الإلحاح على كل امرئ في أن يأكل ويشرب، وأن ينتفع بماله في سدّ حاجاته؟!
أليس داعي الجبلّة والغريزة قائماً في كيان نفسه، يدفعه إلى ذلك دفعاً؟!
إن مهمّة التشريع الحكيم هاهنا ينبغي أن تنحصر في التنبيه على صدق هذا الداعي الجبلّي وسداده، على أن تدعه بعد ذلك يعمل هو في النفس عمله!