وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتُ أَيْضًا:
أَبُو سُلَيْمَانَ ومثلي رَامَى ... وَكَانَ قَوْمِي مَعْشَرًا كِرَامَا
وَكَانَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ يُكَنَّى: أَبَا سُلَيْمَانَ. ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ وَقُتِلَ صَاحِبَاهُ.
(حَدِيثُ حِمَايَةِ الدَّبْرِ لِعَاصِمِ) :
فَلَمَّا قُتِلَ عَاصِمٌ أَرَادَتْ هُذَيْلٌ أَخْذَ رَأْسِهِ، لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شُهَيْدٍ، وَكَانَتْ قَدْ نَذَرَتْ حِينَ أَصَابَ ابْنَيْهَا يَوْمَ أُحُدٍ: لَئِنْ قَدَرَتْ عَلَى رَأْسِ عَاصِمٍ لَتَشْرَبَنَّ فِي قِحْفِهِ الْخَمْرَ، فَمَنَعَتْهُ الدَّبْرُ ١ ، فَلَمَّا حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ الدَّبْرُ ٢ قَالُوا: دَعُوهُ يُمْسِي فَتَذْهَبُ عَنْهُ، فَنَأْخُذُهُ. فَبَعَثَ اللَّهُ الْوَادِيَ، فَاحْتَمَلَ عَاصِمًا، فَذَهَبَ بِهِ. وَقَدْ كَانَ عَاصِمٌ قَدْ أَعْطَى اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ، وَلَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا، تَنَجُّسًا، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ الدَّبْرَ مَنَعَتْهُ: يَحْفَظُ اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ، كَانَ عَاصِمٌ نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ، وَلَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا فِي حَيَاتِهِ، فَمَنَعَهُ اللَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، كَمَا امْتَنَعَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ.
(مَقْتَلُ ابْنِ طَارِقٍ وَبَيْعُ خُبَيْبٍ وَابْنِ الدَّثِنَّةِ) :
وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَّةِ وَخُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ، فَلَانُوا وَرَقُّوا وَرَغِبُوا فِي الْحَيَاةِ، فَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ، فَأَسَرُوهُمْ، ثُمَّ خَرَجُوا إلَى مَكَّةَ، لِيَبِيعُوهُمْ بِهَا، حَتَّى إذَا كَانُوا بِالظَّهْرَانِ ٣ انْتَزَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ يَدَهُ مِنْ الْقِرَانِ ٤ ، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُ الْقَوْمُ، فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَبْرُهُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، بِالظَّهْرَانِ، وَأَمَّا خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَّةِ فَقَدِمُوا بِهِمَا مَكَّةَ.
قَالَ ابْن هِشَام: فباعوهما مِنْ قُرَيْشٍ بِأَسِيرَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ كَانَا بِمَكَّةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَابْتَاعَ خُبَيْبًا حُجَيْرُ بْنُ أَبِي إهَابٍ التَّمِيمِيُّ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلٍ، لِعُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ أَبُو إهَابٍ أَخَا الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ لِأُمِّهِ لِقَتْلِهِ بِأَبِيهِ.
١ الدبر: الزنابير والنحل.
٢ زِيَادَة عَن أ.
٣ الظهْرَان: وَاد قرب مَكَّة. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) .
٤ الْقرَان: الْحَبل يرْبط بِهِ الْأَسير.