فقال له النعمان: هذا البيت إن لم تأت بعده ببيت يوضّح معناه، وإلا كان إلى الهجاء أقرب، فتعسّر على النابغة النظم، فقال له النعمان: قد أجلّتك ثلاثا، فإن قلت فلك مائة من الإبل العصافير، وإلا فضربة بالسيف بالغة ما بلغت، فخرج النابغة وهو وجل، فلقي زهير بن أبي سلمى فذكر له ذلك، فقال: اخرج بنا إلى البرية، فتبعهما كعب فردّه زهير، فقال له النّابغة: دع ابن أخي يخرج معنا وأردفه، فلم يحضرهما شيء، فقال كعب للنابغة:
يا عم، ما يمنعك أن تقول:
وذلك إن فللت الغيّ عنها ... فتمنع جانبيها أن تميلا
الوافر فأعجب النابغة، وغدا على النعمان فأنشده فأعطاه المائة فوهبها لكعب بن زهير فأبى أن يقبلها.
وذكرها ابن دريد في «أماليه» على غير هذا الوجه، قال: أنبأنا «١» السكن بن سعيد، حدثنا محمد بن عباد، حدثنا ابن الكلبيّ، قال: زار «٢» النابغة زهيرا، فنحر له وأكرمه، وجاء بشراب فجلسا، فعرض لهما شعره، فقال النابغة البيت الأول، وقال بعده:
نزلت بمستقرّ العزّ منها
الوافر ثم وقف، فقال لزهير: أجزه، فهمهم ولم يحضره شيء، وكان «٣» حينئذ يلعب بالتراب مع الصبيان، فأقبل فرأى كلّا منهما ذقنه على صدره، ففكر فقال: يا أبت، ما لي أراك قد اغتممت؟ فقال: تنحّ، لا أم لك! فدعاه النابغة فوضعه على فخذه، وأنشده، فقال:
ما يمنعك أن تقول:
فتمنع جانبيها أن تميلا
الوافر فضمه أبوه إليه، وقال: ابني ورب الكعبة.
وقال أبو أحمد العسكريّ: وكان موت زهير قبل المبعث. وقال ابن إسحاق: كان
(١) في أ: أخبرنا.
(٢) في أ: رأى.
(٣) في أ: وكان كعب.