ثانيا: عوامل تثبّت الصّحابة في الكتاب والسّنّة
بعد أن ألقينا الضّوء على عوامل حفظ الصّحابة للكتاب والسّنة نعرج على بيان عوامل تثبتهم- رضوان اللَّه عليهم- فيهما.
قال الشّيخ الزّرقانيّ: «إنّ النّاظر في تاريخ الصّحابة يروعه ما يعرفه عنه في تثبتهم أكثر مما يروعه عنهم في حفظهم، لأن التثبت فضيلة ترجع إلى الأمانة الكاملة والعقل الناضج من ناحية، ثم هو في الصّحابة بلغ القمّة من ناحية أخرى.
ولهذا التّثبّت النادر في دقته واستقصائه بواعث ودواع أو أسباب وعوامل إليك بيانها:
العامل الأوّل
أمر اللَّه تعالى في محكم كتابه بالتّثبّت والتّحرّي، وحذّر من الطّيش والتّسرّع فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (١) .
وكذلك نهى اللَّه عن اتباع ما لا دليل له فقال: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (٢) .
وقد عاب القرآن على من يأخذون بالظّن فقال جلّ شأنه: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٣) وكان الصّحابة هم المخاطبين بهذه التعاليم والمشافهين بها فلا ريب أن تكون تلك الآداب الإسلامية من أهم العوامل فمن تثبيتهم وحذرهم خصوصا فيما يتصل بكتاب ربهم وسنّة نبيهم، وبعيد كل البعد أن يكونوا قد أهملوا هذا النصح السّامي وهم خير طبقة أخرجت للناس.
العامل الثّاني:
الترهيب الشديد، والتهديد والوعيد لمن يكذب على اللَّه أو يفتري على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم قال عز اسمه: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ (٤) والآيات في هذا الشأن كثيرة.
ونقرأ في السّنة النبويّة
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوَّأ مقعده من النّار»
وهو حديث مشهور، بل متواتر، ورد أنه قد رواه اثنان وستون صحابيّا منهم العشرة المبشرون بالجنة، والسّنّة أيضا مليئة بأحاديث من هذا النوع.
(١) الحجرات: ٦ .
(٢) الإسراء: ٣٦ .
(٣) النجم: ٢٨ .
(٤) الأنعام: ٢١ .