أَحدهما أَن يَكُونَ زَيْدٌ فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَمر النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَلَا رِضاه، إِلَّا أَنه كَانَ مَعَهُ، فنُسِب إِليه، ولأَنَّ زَيْدًا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنَ العِصْمة، مَا كَانَ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالثَّانِي أَن يَكُونَ ذَبَحَهَا لِزَادِهِ فِي خُرُوجِهِ، فَاتَّفَقَ ذَلِكَ عِنْدَ صَنَمٍ كَانُوا يَذْبَحُونَ عِنْدَهُ، لَا أَنه ذَبَحَهَا لِلصَّنَمِ، هَذَا إِذا جُعِلَ النُّصُب الصَّنم، فأَما إِذا جُعِلَ الْحَجَرَ الَّذِي يُذْبَحُ عِنْدَهُ، فَلَا كَلَامَ فِيهِ، فَظَنَّ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو أَن ذَلِكَ اللَّحْمَ مِمَّا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَذْبَحُهُ لأَنصابها، فَامْتَنَعَ لِذَلِكَ، وَكَانَ زَيْدٌ يُخَالِفُ قُرَيْشًا فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمورها، وَلَمْ يَكُنِ الأَمْرُ كَمَا ظَنَّ زَيْدٌ. القُتَيْبيُّ: النُّصُب صَنَم أَو حَجَرٌ، وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَنْصِبُه، تَذْبَحُ عِنْدَهُ فيَحْمَرُّ للدمِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي ذَرٍّ فِي إِسلامه، قَالَ: فخَررْتُ مَغْشِيّاً عَلَيَّ ثُمَّ ارْتَفَعْتُ كأَني نُصُبٌ أَحمر
؛ يُرِيدُ أَنهم ضَرَبُوه حَتَّى أَدْمَوْه، فَصَارَ كالنُّصُب المُحْمَرِّ بِدَمِ الذَّبَائِحِ. أَبو عُبَيْدٍ: النَّصائِبُ مَا نُصِب حَوْلَ الحَوْضِ مِنَ الأَحْجار؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
هَرَقْناهُ فِي بَادِي النَّشِيئةِ داثرٍ، ... قَديمٍ بعَهْدِ الماءِ، بُقْعٍ نَصائِبُهْ
والهاءُ فِي هَرَقْناه تَعُودُ عَلَى سَجْلٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. الْجَوْهَرِيُّ: والنَّصِيبُ الحَوْضُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: النَّصْبُ رَفْعُك شَيْئًا تَنْصِبُه قَائِمًا مُنْتَصِباً، والكلمةُ المَنْصوبةُ يُرْفَعُ صَوْتُها إِلى الْغَارِ الأَعْلى، وكلُّ شيءٍ انْتَصَبَ بشيءٍ فَقَدْ نَصَبَهُ. الْجَوْهَرِيُّ: النَّصْبُ مَصْدَرُ نَصَبْتُ الشيءَ إِذا أَقَمته. وصَفِيحٌ مُنَصَّبٌ أَي نُصِبَ بعضُه عَلَى بَعْضٍ. ونَصَّبَتِ الخيلُ آذانَها: شُدِّد لِلْكَثْرَةِ أَو لِلْمُبَالَغَةِ. والمُنَصَّبُ مِنَ الخَيلِ: الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى خَلْقه كُلِّه نَصْبُ عِظامه، حَتَّى يَنْتَصِبَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إِلى عَطْفه. ونَصَبَ السَّيْرَ يَنْصِبه نَصْباً: رَفَعه. وَقِيلَ: النَّصْبُ أَن يسيرَ القومُ يَوْمَهُم، وَهُوَ سَيْرٌ لَيِّنٌ؛ وَقَدْ نَصَبوا نَصْباً. الأَصمعي: النَّصْبُ أَن يَسِيرَ القومُ يومَهم؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
كأَنَّ راكِبَها، يَهْوي بمُنْخَرَقٍ ... مِنَ الجَنُوبِ، إِذا ما رَكْبُها نَصَبوا
قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ جَدُّوا السَّيْرَ. وَقَالَ النَّضْرُ: النَّصْبُ أَوَّلُ السَّيْر، ثُمَّ الدَّبيبُ، ثُمَّ العَنَقُ، ثُمَّ التَزَيُّدُ، ثُمَّ العَسْجُ، ثُمَّ الرَّتَكُ، ثُمَّ الوَخْدُ، ثُمَّ الهَمْلَجَة. ابْنُ سِيدَهْ: وكلُّ شيءٍ رُفِعَ واسْتُقْبِلَ بِهِ شيءٌ، فَقَدْ نُصِبَ. ونَصَبَ هُوَ، وتَنَصَّبَ فلانٌ، وانْتَصَبَ إِذا قَامَ رَافِعًا رأْسه. وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ:
لَا يَنْصِبُ رأْسه وَلَا يُقْنِعُه
أَي لَا يَرْفَعُهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا فِي سُنَنِ أَبي دَاوُدَ، وَالْمَشْهُورُ: لَا يُصَبِّي ويُصَوِّبُ، وَهُمَا مَذْكُورَانِ فِي مَوَاضِعِهِمَا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: مِنْ أَقْذَرِ الذُّنوبِ رجلٌ ظَلَمَ امْرَأَةً صَداقَها
؛ قِيلَ للَّيْثِ: أَنَصَبَ ابنُ عُمَرَ الحديثَ إِلى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: وَمَا عِلْمُه، لَوْلَا أَنه سَمِعَهُ مِنْهُ أَي أَسنَدَه إِليه ورَفَعَه. والنَّصْبُ: إِقامةُ الشيءِ ورَفْعُه؛ وَقَوْلُهُ:
أَزَلُّ إِنْ قِيدَ، وإِنْ قامَ نَصَبْ
هُوَ مِنْ ذَلِكَ، أَي إِن قَامَ رأَيتَه مُشْرِفَ الرأْس والعُنُق. قَالَ ثَعْلَبٌ: لَا يَكُونُ النَّصْبُ إِلا بِالْقِيَامِ. وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ نُصْبُ عَيْني، هَذَا فِي الشيءِ الْقَائِمِ