قَالَ: والعربُ تجْعَل لَام كي فِي مَعنى لَام الْخَفْض، وَلَام الْخَفْض فِي معنى لَام كي لتقارُب المعَنى.
قَالَ الله تَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ} (التَّوْبَة: ٩٥) . الْمَعْنى: لإعراضكم عَنْهُم، وهم لم يحلفوا لكَي تُعرضوا، وَإِنَّمَا حلفوا لإعراضهم عَنْهُم؛ وأَنْشد:
سَمَوْت وَلم تكن أَهلا لِتَسْمُو
ولكنّ المُضَيَّع قد يُصابُ
أَرَادَ: لم تكن أَهلا للسّمُوّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي قَوْله تَعَالَى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ} (التَّوْبَة: ١٢١) : اللَّام فِي لِيَجْزيهم لَام الْيَمين، كَأَنَّهُ قَالَ: ليجزينّهم، فَحذف النُّون وَكسر اللَّام، وَكَانَت مَفْتُوحَة، فَأَشْبَهت فِي اللَّفْظ لَام كي، فنَصبوا بهَا كَمَا نصبوا ب (لَام كي) .
قَالَ: وَكَذَلِكَ قولُه تَعَالَى: {} {مُّبِيناً لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ} (الْفَتْح: ١ و ٢) . الْمَعْنى ليغفرنّ الله لَك.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو حَاتِم غَلط، لِأَن لَام القَسم لَا تُكسر وَلَا يُنصب بهَا، وَلَو جَازَ أَن يكون معنى لِيَجْزِيَهُم الله: ليجزينّهم، لقُلنا: وَالله ليقومَ زيد، بِمَعْنى ليقومنّ، وَهَذَا مَعدوم فِي كَلَام الْعَرَب.
وَاحْتج أَبُو حَاتِم بِأَن الْعَرَب تَقول فِي التعجُّب: أَظْرِفْ بزَيْد فيَجْزمونه لشبهه بِلَفْظ الْأَمر. وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة ذَلِك؛ لِأَن التعجّب عُدل إِلَى لفظ الْأَمر، وَلَام الْيَمين لم تُوجد مَكْسُورَة قطّ فِي حَال ظُهُور الْيَمين، وَلَا فِي حَال إضمارها.
قَالَ أَبُو بكر: وَسَأَلت أَبَا العبّاس عَن اللَّام فِي قَوْله تَعَالَى: {مُّبِيناً لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ} (الْفَتْح: ٢) ، فَقَالَ: هِيَ لَام كي. مَعْنَاهُ: إنّا فتحنا لَك فَتْحاً مُبيناً لكَي يَجتمع لَك مَعَ الْمَغْفِرَة تمامُ النّعمة فِي الْفَتْح، فَلَمَّا انضمّ إِلَى الْمَغْفِرَة شَيْء حَادث وَاقع حَسُن معنى كي.
وَكَذَلِكَ قولُه تَعَالَى: {لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} (سبأ: ٤) هِيَ: لَام كي، تتصل بقوله تَعَالَى: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ} (سبأ: ٣) إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كُلٌّ فِى كِتَابٍ} (سبأ: ٣) أَحْصَاهُ عَلَيْهِم لكَي يَجْزِي المُحسن بإحسانه والمُسيء بإساءته.
لَام الْأَمر
وَهُوَ كَقَوْلِك: لِيضْرب زيْدٌ عمرا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: أَصْلهَا نَصْب، وَإِنَّمَا كُسرت ليفرّق بَينهَا وَبَين لَام التوكيد، وَلَا يبالى بشبهها بلام الْجَرّ؛ لأنّ لَام الْجَرّ لَا تقع فِي الْأَفْعَال، وَتَقَع لَام التوكيد فِي الْأَفْعَال، أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: لِيضرب، وَأَنت تَأمر، لأشبه لامَ التوكيد،