العَربيّة: إنّ معنى (غير) ، فِي قَوْله تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} (الْفَاتِحَة: ٧) معنى (سَوِي) ، وَأَن (لَا) صلَة فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا الضَّآلِّينَ} (الْفَاتِحَة: ٧) .
واحتجّ بقول العجّاج:
فِي بِئر لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ
بإِفْكه حَتَّى رَأَى الصُّبْحَ جَشَرْ
قَالَ: وَهَذَا جَائِز، لِأَن الْمَعْنى وَقع فِيمَا لَا يتَبَيَّن فِيهِ عَمَلُه، فَهُوَ جَحْد مَحْض، لِأَنَّهُ أَرَادَ: فِي بِئْر مَا لَا يُحير عَلَيْهِ شَيْئا، كَأَنَّك قلت: إِلَى غير رُشْد توجَّه، وَمَا يَدْري.
وَقَالَ الفَراء: معنى (غير) فِي قَوْله تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} (الْفَاتِحَة: ٧) معنى (لَا) ، وَلذَلِك زِدْت عَلَيْهَا (لَا) ، كَمَا تَقول: فلَان غير مُحْسِنٍ وَلَا مُجْمِلٍ.
فَإِذا كَانَت (غير) بِمَعْنى (سوى) لم يَجْز أَن تَكُرّ عَلَيْهَا (لَا) ، أَلا ترى أَنه لَا يجوز أَن تَقول: عِنْدِي سِوى عبد الله وَلَا زَيْدٍ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله (فِي بِئْر لَا حُور) : أَرَادَ: حُؤُور، أَي رُجُوع.
وَالْمعْنَى: أَنه وَقع فِي بئرٍ هَلَكة لَا رُجوعَ فِيهَا، وَمَا شَعر بذلك، كَقَوْلِك: وَقع فِي هَلَكة وَمَا شَعر بذلك.
قَالَ أَبُو عُبيد: أَنْشد الأصمعيّ لساعدةَ الهُذليّ:
أَفَعَنْك لَا بَرْقٌ كأنّ وَميضه
غابٌ تَسَنَّمه ضِرَامٌ مُثْقَبُ
قَالَ: يُرِيد: أمنك بَرْقٌ، و (لَا) صلةٌ.
وَهَذَا يُخالف مَا قَالَه الفَراء: إنّ (لَا) لَا تكون صلَة إِلَّا مَعَ حرف نَفْي تقدّمه؛ وأَنشد الْبَاهِلِيّ للشَّماخ:
إِذا مَا أَدْلَجت وَضَعَتْ يدَاها
لَهَا الإدْلاجُ ليلةَ لَا هُجُوع
أَي: عملت يداها عَمل اللَّيلة لَا يُهجع فِيهَا. يَعني: الناقةَ، ونَفَى ب (لَا) الهُجوع، وَلم يُعْمِل (لَا) ، وَترك الهجوع مجروراً على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْإِضَافَة؛ وَمثله قولُ رُؤبة:
لقد عَرَفْت حِين لَا اعْتِراف
نَفَى ب (لَا) وَتَركه مَجْروراً.
وَمثله:
أَمْسَى ببَلْدَةٍ لَا عَمَ وَلَا خالِ
وَقَالَ المُبرد فِي قَوْله عزّ وجلّ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّآلِّينَ} (الْفَاتِحَة: ٧) : إِنَّمَا جَازَ أَن تَقع (لَا) فِي قَوْله {وَلَا الضَّآلِّينَ} ، لأنّ معنى (غير) مُتضمّن معنى النَّفْي.
والنَّحويون يُجيزون: أَنْت زيدا غيرُ ضَارب، لِأَنَّهُ بِمَعْنى: أَنْت زيدا لَا ضاربٌ.
وَلَا يُجيزون: أَنْت زيدا مِثْل ضَارب، لِأَن زيدا من صلَة ضَارب فَلَا يتقدَّم عَلَيْهِ.