قَالَ: فَجَاءَت (لَا) تُشدِّد من هَذَا النَّفي الَّذِي تضمّنه (غير) لِأَنَّهَا تُقارب الدَّاخلة.
أَلا ترى أَنَّك تَقول: جَاءَنِي زيدٌ وَعَمْرو، فَيَقُول السامعُ: مَا جَاءَك زيد وَعَمْرو؛ فَجَائِز أَن يكون جَاءَ أحدُهما.
فَإِذا قَالَ: مَا جَاءَنِي زيدٌ وَلَا عَمْرو، فقد تبيّن أَنه لم يَأْته واحدٌ مِنْهُمَا.
قَالَ: وَقَوله تَعَالَى: {الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ} (فصلت: ٣٤) يُقارب مَا ذكرنَا وإنْ لم يَكُنْه.
لَا، الَّتِي تكون للتبرئة
النَّحْويّون يَجعلون لَهَا وُجوهاً فِي نَصب المُفرد والمُكَرَّر، وتَنْوين مَا يُنَوَّن وَمَا لَا يُنَوَّن.
والاختيارُ عِنْد جَمِيعهم أَن يُنصب بهَا مَا لَا تُعاد فِيهِ، كَقَوْل الله تَعَالَى: {أَلَمْ} {ذَالِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} (الْبَقَرَة: ١ و ٢) .
أَجْمع القُرّاء على نَصْبه بِلَا تَنْوين.
فَإِذا أَعَدْت (لَا) كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَاّ بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} (الْبَقَرَة: ٢٥٤) فأَنت بِالْخِيَارِ، إِن شِئْت نَصبت بِلَا تَنوين، وَإِن شِئْت رَفَعْت ونَوَّنت.
وفيهَا لغاتٌ كَثِيرَة سوى مَا ذكرتُ من نصب بعض المكرّر منوناً وَغير مُنوَّن، وَرفع بعض منوناً، وكل ذَلِك جَائِز.
وَقَالَ اللَّيْث: هَذِه لَاءٌ مَكْتُوبَة، فَتَمُدّها لِتُتِمّ الكلمةُ اسْماً.
وَلَو صغّرت لقِيل: هَذِه لُوَيّةٌ مَكْتُوبَة، إِذا كَانَت صَغِيرَة الكِتْبة غَيْرَ جَلِيلة.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {النَّجْدَينِ فَلَا اقتَحَمَ} (الْبَلَد: ١١) (فَلَا) بِمَعْنى (فَلم) ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَلم يقتحم العَقبة.
قَالَ: وَمثله: {الْمَسَاقُ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} (الْقِيَامَة: ٣١) ، إِلَّا أَن (لَا) بِهَذَا الْمَعْنى، إِذا كُرِّرت أفْصَح مِنْهَا إِذا لم تُكَرَّر؛ وَقد قَالَ أُمية:
وأيّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا
وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى: {النَّجْدَينِ فَلَا اقتَحَمَ} (الْبَلَد: ١١) : مَعْنَاهَا: فَمَا، وَقيل: فهلاّ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: المَعنى: فَلم يَقْتحم العَقبة؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الْمَسَاقُ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} (الْقِيَامَة: ٣١) .
قَالَ: وَلم تذكر (لَا) هَا هُنَا إِلَّا مرّة وَاحِدَة، وقلّما تَتَكَلَّم العربُ فِي مثل هَذَا الْمَكَان إلاّ (بِلَا) مرَّتين أَو أَكثر؛ لَا تكَاد تَقول: لَا جئتني، تُرِيدُ: مَا جئتني، فَإِن قلت: لَا جئتني وَلَا زُرْتني، صَلُح.
وَالْمعْنَى فِي {النَّجْدَينِ فَلَا اقتَحَمَ} مَوْجُود؛ لِأَن (لَا) ثَابِتَة، فَإِنَّهَا فِي الْكَلَام، لِأَن قَوْله: {مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ} (الْبَلَد: ١٧) يَدل على معنى {النَّجْدَينِ فَلَا اقتَحَمَ} وَلَا آمَن.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الْفراء.
لات: أفادني المُنْذريّ، عَن اليزيدي، عَن