وَكَذَلِكَ قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ} (الْأَعْرَاف: ١٧) : مِن قِبَل دِينهم.
وَقَالَ بَعضهم: لآتِينّهم من بَين أَيْديهم، أَي: لأُغْوينهم حَتَّى يكذّبوا بِمَا تقدّم من أُمور الأُمم السَّابِقَة، وَمن خَلفهم، حَتَّى يكذبوا بِأَمْر البَعث، وَعَن أَيْمَانهم وَعَن شمائلهم، أَي: لأُضّلنهم فِيمَا يعلمُونَ لأَمْر الكَسب، حَتَّى يُقال فِيهِ: ذَلِك بِمَا كسبت يداك، وَإِن كَانَت اليَدان لم تَجْنيا شَيْئا، لِأَن اليدَين الأَصْل فِي التصرّف، مثلا لجَمِيع مَا عُمِل بِغَيْرِهِمَا.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {لَا تَنطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً} (الصافات: ٩٣) ، فَفِيهِ أقاويل:
أَحدهمَا: بيَمينه، وَقيل: بالقُوّة.
وَقيل: وبيَمينه الَّتِي حَلف حِين قَالَ: { (وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ} (الْأَنْبِيَاء: ٥٧) .
قَالَ اليزيدي: ويَمَنْت أَصْحَابِي: أَدْخلْتُ عَلَيْهِم اليُمن.
وَأَنا أيْمنهم يُمْناً ويُمْنَةً.
وشَأمتُ أَصْحَابِي: أَدْخلتُ عَلَيْهِم الشُّؤْمَ.
وَأَنا أَشْأَمهم شُؤْماً، وشَئِمت عَلَيْهِم، وَأَنا مَشْؤوم عَلَيْهِم.
قَالَ: وشأمتهم: أخذت على شَمائلهم.
ويَسرتهم: أخذت على يَسارهم، يَسْراً.
وَفِي حَدِيث عُمر حِين ذكر مَا كَانَ فِيهِ من القَشَف والقِلّة فِي جاهليَّته وأنّه وأُخْتاً لَهُ خَرَجا يَرْعيان ناضِحاً لَهما، وأنّ أُمّهما زَوَّدَتْها بِيُمَيْنَتَيْها من الهَبيد كُلّ يَوْم.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَجه الْكَلَام: بيُمَيِّنَيْها بِالتَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّهُ تَصغير (يَمِين) ، لَكِن قَالَ: يُمَيْنَيْها، على تَصْغِير التّرخيم.
وَإِنَّمَا قَالَ: يُمَيْنَيها، وَلم يقل: يَديها، وَلَا كَفَّيها، لِأَنَّهُ لم يُرد أَنَّهَا جَمعت كَفَّيها ثمَّ أعطتهما بِجَمِيعِ الكفّين، وَلكنه إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا أَعطت كُلّ وَاحِد كفًّا وَاحِدًا بِيَمينها، فهاتان يَمِينان.
وَقَالَ شمر: قَالَ غير أبي عُبيد: إِنَّمَا هُوَ يُمَيِّنَيْها.
قَالَ: وَهَكَذَا سمعتُ من يَزيد بن هَارُون.
قَالَ شَمر: وَالَّذِي أختاره بعد هَذَا: يُمَيْنَتَيْهَا، لِأَن (المينة) إِنَّمَا هِيَ فِعل: أَعطى يَمْنةً ويَسْرةً.
قَالَ: وسمعتُ من لَقيت من غَطَفان يتكلّمون فَيَقُولُونَ: إِذا أَهْوَيت بيَمينك مَبْسوطةً إِلَى طَعَام أَو غَيره فأعْطيت بهَا مَا حَملته مَبْسوطة فَإنَّك تَقول: أَعطاه يَمْنةً من الطَّعام؛ فَإِن أعطَاهُ بهَا مَقْبوضةً قَالَ: أعطَاهُ قَبْضةً من الطَّعَام؛ وَإِن حَثَى لَهُ بِيَدِهِ، فَهِيَ الحَثْيَة، والْحَفْنَة.
قلت: وَالصَّوَاب عِنْدِي مَا رَواه أَبُو عُبيد: يُمَيْنَتَيْها.