وَلَو عَقَلت لقالت: طَلقت نَفسِي.
وَقَالَ الزجّاج فِي بعض أَماليه: وَذكر قَول النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من قَالَ: سُقينا بالنَّجم فقد آمن بالنَّجم وكَفر بِاللَّه، وَمن قَالَ سَقانا الله فقد آمَن بِاللَّه وكَفر بالنَّجم) .
قَالَ: وَمعنى: مُطرنا بِنَوْء كَذَا، أَي: مُطرنا بطُلوع نَجم وسُقوط آخر.
والنوء، على الْحَقِيقَة سُقوط نجم فِي الْمغرب وطُلوع آخر فِي الْمشرق.
فالسّاقطة فِي الْمغرب هِيَ الأَنْواء، والطالعة فِي الْمشرق هِيَ البوارح.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: النوء، ارْتِفَاع نجم من الْمشرق وسُقوط نَظِيره فِي الْمغرب، وَهُوَ نَظير القَوْل الأول.
فَإِذا قَالَ الْقَائِل: مُطرنا بِنَوْء الثُّريّا، فَإِنَّمَا تَأْوِيله: أَنه ارْتَفع نجم من المَشرق وسَقط نَظِيره فِي الْمغرب، أَي: مُطرنا بِمَا ناء بِهِ هَذَا النَّجْمُ.
قَالَ: وَإِنَّمَا غَلَّظ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا، لِأَن الْعَرَب كَانَت تزْعم أَن ذَلِك الْمَطَر الَّذِي جَاءَ بسُقُوط نجم هُوَ فِعل النَّجْم، وَلَا يجعلونه سُقْيا من الله، وَإِن وَافق سُقوطَ ذَلِك النَّجْم، يجْعَلُونَ النُّجوم هِيَ الفاعلة، لِأَن فِي الحَدِيث دَلِيلا على هَذَا، وَهُوَ قَوْله: (من قَالَ سُقينا بالنَّجم فقد آمن بِالنَّجْمِ وكَفر بِاللَّه) .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَأما من قَالَ: مُطرنا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا، وَلم يُرد ذَلِك الْمَعْنى، وَمرَاده: أَنا مُطِرْنَا فِي هَذَا الْوَقْت، وَلم يَقْصد إِلَى فعل النَّجم، فَذَلِك وَالله أعلم جَائِز، كَمَا جَاءَ عَن عمر أَنه اسْتَسْقى بالمُصَلَّى ثمَّ نَادَى العبّاسَ: كم بَقي من نوء الثريّا؟ فَقَالَ: إِن العُلماء بهَا يَزْعمُونَ أَنَّهَا تعترض فِي الأُفق سَبعاً بعد وُقُوعهَا، فوَاللَّه مَا مَضَت تِلْكَ السَّبع حَتَّى غِيث النَّاس.
فَإِنَّمَا أَرَادَ: كم بَقِي من الْوَقْت الَّذِي جَرت بِهِ العادةُ أنّه إِذا تمّ أَتَى الله بالمَطر.
قَالَ: ورُوي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: فِي قَوْله تَعَالَى: {مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} (الْوَاقِعَة: ٨٢) . قَالَ: تَقولُونَ: مُطرنا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا.
قلت (مَعْنَاهُ) : وتجعلون شُكر رزقكم الَّذِي يَرزقكموه الله التَّكذيب أَنه من عِنْد الرَّزَّاق، وتجعلون الرزق من عِنْد غير الله، وَذَلِكَ كفر؛ وأمّا من جعل الرِّزق من عِنْد الله جلَّ وعزّ، وَجعل النَّجم وقتا وقّته الله تَعَالَى للغَيْث، وَلم يَجْعَل الغَيث الرَّزَّاق، رَجَوْت أَلا يكون مكذّباً، وَالله أعلم.