وَهُوَ معنى مَا قَالَه أَبُو إِسحاق وَغَيره من ذَوي التَّمييز.
وَقَالَ أَبُو زيد: هَذِه الأنواء فِي غَيْبوبة هَذِه النُّجُوم.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ} (الْقَصَص: ٧٦) .
قَالَ: نَوْؤها بالعُصبة: أَن تُثقلهم.
وَالْمعْنَى: أَن مفاتحه تُنيء العُصبة، أَي: تُميلهم من ثِقلها.
فَإِذا أدخلت (الْبَاء) قلت: تنوء بهم، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {آتُونِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
١٧٦٤ - أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} (الْكَهْف: ٩٦) .
وَالْمعْنَى: آتوني بقِطْر أُفْرِغْ عَلَيْهِ.
فَإِذا حذفت (الْبَاء) زِدْت على الْفِعْل ألفا فِي أوّله.
قَالَ الْفراء: وَقد قَالَ رَجُلٌ من أَهل العربيّة: مَا إنّ العُصبة لَتَنوء بمَفاتحه، فحوّل الفِعْل إِلَى (المفاتح) ؛ كَمَا قَالَ الراجز:
إنّ سِراجاً لكريمٌ مَفْخَرُهْ
تَحْلَى بِهِ العَيْنُ إِذا مَا تَجْهَرُهْ
وَهُوَ الَّذِي يَحْلَى بِالْعينِ، فَإِن كَانَ سُمع (آتوا) بِهَذَا، فَهُوَ وَجْه، وإلاّ فَإِن الرَّجُلَ جَهِلَ المَعنى؛ وَقد أنْشدني بعضُ الْعَرَب:
حتّى إِذا مَا التأمت مواصِلُهْ
وناء فِي شِقّ الشِّمالِ كاهِلُهْ
يَعْنِي: الرَّامِي لمّا أَخذ الْقوس ونَزع مالَ عَلَيْهَا.
قَالَ: ونرى أَن قَول الْعَرَب: مَا ساءك وناءك، من ذَلِك، إِلَّا أَنه أَلْقى الْألف، لِأَنَّهُ مُتْبَعٌ ل (سَاءَك) ؛ كَمَا قَالَت الْعَرَب: أكلت طَعَاما فهنأَني ومَرَأني.
مَعْنَاهُ، إِذا أُفرد: أَمْرأني، فَحذف مِنْهُ الْألف لما أُتْبِع مَا لَيْسَ فِيهِ الْألف، وَمَعْنَاهُ: مَا ساءك وأناءك.
قلت: وَأرى الفَرّاء عَنَى بالرَّجُل الَّذِي قَالَ إِنَّه من أهل العربّية: أَبَا الْحسن الْأَخْفَش.
قلت وأصل (النوء) المَيْل فِي شِقّ.
وَقيل: لمن نَهَضَ بِحمْلِهِ: ناء بِهِ، لِأَنَّهُ إِذا نَهض بِهِ وَهُوَ ثَقيل أناء الناهضَ، أَي: أماله.
وَكَذَلِكَ النَّجم، إِذا سَقَط، مائلٌ نَحْو مَغيبه الَّذِي يَغيب فِيهِ.
وَقَول ذِي الرّمّة فِي وَصف الْجَارِيَة:
تنوء بأُخراها
الْبَيْت مَعْنَاهُ: أَن أُخراها، وَهُوَ عَجيزتها، تُنيئها إِلَى الأرضِ لضخمها وَكَثْرَة لَحْمها فِي أردافها. وَهَذَا تَحْويل للفِعْل أَيْضا.
أَبُو زيد: يُقَال: ناء اللَّحم يَنيء نَيْئاً. وأنأتُه أَنا إناءةً، إِذا لم تُنْضجه. وَكَذَلِكَ: نَهىءَ اللَّحْمُ.