يقتصد، فَقَالَ لَهُ أَبوهُ: يَا عبد الله الْعلم أفضل من الْعَمَل، والحسنة بَين السيئتين، وَخير الْأُمُور أوساطها وشرّ السّير الْحَقْحَقَةُ.
قَالَ اللَّيْث: الحَقْحقة سير اللَّيْل فِي أَوله، وَقد نُهي عَنهُ. وَقَالَ بَعضهم: الحَقْحَقة فِي السّير: إتعاب سَاعَة وكفّ سَاعَة.
قلت: فسّر اللَّيْث الْحَقْحَقَةُ تفسيرين مُخْتَلفين لم يصب الصَّوَاب فِي وَاحِد مِنْهُمَا. والحقحقة عِنْد الْعَرَب: أَن يسَار البعيرُ وَيحمل على مَا يتعبه وَلَا يطيقه حَتَّى يُبْدَع براكبه. وَيُقَال قَرَب حقْحاق وهَقْهاق وقهقاةٌ ومُقَهْقه ومهقهَق إِذا كَانَ السّير فِيهِ شَدِيدا متعِباً. وَأما قَول اللَّيْث إِن الْحَقْحَقَةُ سير أول اللَّيْل فَهُوَ بَاطِل مَا قَالَه أحد، وَلَكِن يُقَال قَحِّموا عَن أول اللَّيْل أَي لَا تسيروا فِيهِ. وَمعنى قَول مطرِّف لِابْنِهِ: إِنَّك إِذا حملت على نَفسك من الْعِبَادَة مَا لَا تُطِيقهُ انْقَطَعت بِهِ عَن الدَّوَام على الْعِبَادَة، وَبقيت حسيراً، فتكلّفْ من الْعِبَادَة مَا تُطِيقهُ وَلَا يَحْسِرك فَإِن خير الْعَمَل مَا ديم عَلَيْهِ وَإِن قلّ.
وَقَالَ شمر فِي (كِتَابه) الْحَقْحَقَةُ:} السّير الشَّديد. يُقَال حقحق القومُ إِذا اشتدُّوا فِي السّير. قَالَ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الْحَقْحَقَةُ أَن يجْهد الضعيفَ شدَّةُ السّير.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْحَقْحَقَةُ: المتعب من السّير.
قح: قَالَ اللَّيْث: القُحّ: الجافي من النَّاس وَمن الْأَشْيَاء حَتَّى إِنَّهُم ليقولون للبطيخة الَّتِي لم تنضج: إِنَّهَا لَقُحّ.
وَأنْشد اللَّيْث:
لَا أَبْتَغِي سَيْب اللَّئِيم القُحّ
يكَاد من نحنحة وأُحّ
يَحْكِي سُعَال الشَرِق الأبَحِّ
وَالْفِعْل قَحَّ يَقُحّ قُحُوحة.
قلت: أَخطَأ اللَّيْث فِي تَفْسِير القُحّ، وَفِي قَوْله للبطيخة الَّتِي لم تنضج: إِنَّهَا لَقُحّ. وَهَذَا تَصْحِيف. وَصَوَابه: الفِجّ بِالْفَاءِ وَالْجِيم. يُقَال ذَلِك لكل ثَمَرَة لم تَنْضَج. وأمّا القُحّ فَهُوَ أصل الشَّيْء وخالصه: يُقَال: عربيّ قُحّ، وعربيّ مَحْض وقَلْبٌ إِذا كَانَ خَالِصا لاهجنة فِيهِ وَفُلَان من قُحّ الْعَرَب وكُحّهم أَي من صميمهم. قَالَ ذَلِك ابْن السّكيت وَغَيره.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: يُقَال: لأضطرنك إِلَى تُرِّك وقُحَاحك أَي إِلَى أصلك.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: وَالله لقد وقعتُ بقَحَاحك، وبقُحَاح قُرّك، ووقعتُ بقُرّك، وَهُوَ أَن يعلم علمه كُله فَلَا يخفى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء.
وَقَالَ أَبُو زيد: القُحَاح والتُّرُّ: الأَصْل. وَأنْشد:
وَأَتَتْ فِي المأروك من قُحَاحها
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: عبد كُحّ وكِحّ، وَعبد قُحّ إِذا كَانَ خَالص العُبُودة. وَكَذَلِكَ لئيم قُحّ إِذا كَانَ مَعْرُوفا لَهُ فِي اللؤم.
وَقَالَ اللَّيْث: القُحْقُح فَوق القَبّ شَيْئا والقَبَّ: الْعظم الناتىء من الظّهْر بَين