جواب شبهة حول استواء الله على عرشه وعلوه على خلقه
السُّؤَالُ
ـقبل قليل قرأت الفتوى رقم ٦٧٠٧ والمتعلّقة بإجماع الأمّة صحابة وتابعين ومن جاء بعدهم من أهل القرون المفضّلة على أنّ الله عزّ وجلّ فوق عرشه بائن عن خلقه. وهي فتوى في غاية الوضوح والدّقّة ولا مجال للتّشكيك. ما أريد أن أقوله هو أنّه في جامع الزّيتونة لدينا، هناك درس ينتظم كلّ يوم خميس بعد العصر ويتعلّق بحفظ القرآن الكريم لكنّ الشيخ جزاه الله خيرا يفسّر أحيانا بعض الآيات التي نحن بصدد حفظها ويجيب عن بعض الأسئلة التي تطرح عليه مع العلم أنّه يتقن القراءات العشر ويكرّس معظم وقته لخدمة كتاب الله بتدريس القراءات وأنا دائما أدعو له بالخير وهو أيضا إمام خطيب. أذكر أنّه قال ردّا على الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله " سامحه الله ... يقولون الله في السّماء ... يجعلون لله مكانا ... الله أكبر من كلّ شيء ... ولماذا نقول إذا في أوّل الصّلاة الله أكبر ... " أمّا عن حديث الجارية فحسبما أذكر أنّه قال فيه طعن (أو شيء في هذا المعنى) هذا أمام جمع كبير من الحاضرين يزيد عن المئتين وربّما ثلاثمائة. لكن من الذي يعترض؟ لا أحد. الكلّ آذان صاغية.
أنا أعتبر شخصيا الأمر خطير لأنّه يتتعلّق بالعقيدة والتّوحيد. هل في رأيكم من يقول مثل هذا الكلام تصحّ منه الفتوي في مسائل تتعلّق بالعقيدة؟
ما هو واجبي من النّصيحة لأصدقائي الذّين يحضرون للدّرس باستمرار؟
أرجو الرّدّ في أقرب وقت إن شاء الله.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي يعتقده أهل السنة والجماعة أن الله تعالى متصف بالعلو وأنه استوى على عرشه، وعرشه فوق سمائه، فالله تعالى فوق كل شيء، وهذا هو ما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين أهل القرون المفضلة، وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {الأعلى:١} وقال الله تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ {النحل:٥٠} وقال الله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ {الرعد:٢} في سبعة مواضع من القرآن، وقال الله تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ {فاطر:١٠} وقال تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ {النساء:١٥٨} ، وقال الله تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ {الملك:١٦} ، وقال الإمام الأوزاعي: كنا والتابعون نقول إن الله تعالى فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته، وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي: اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه، فوق سماواته، وقال الإمام ابن سعيد: هذا قول الإئمة في الإسلام وأهل السنة والجماعة نعرف ربنا عزوجل في السماء السابعة على عرشه كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {طه:٥} .
وأما حديث الجارية فصحيح فقد رواه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي في قصة ضربه لجاريته وفيه: فقلت يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ادعها فدعوتها فقال لها أين الله؟ قالت في السماء، قال من أنا؟ قالت أنت رسول الله قال اعتقها فإنها مؤمنة، فالواجب السعي في إقناع الناس بالحق ودعوتهم للإيمان بما أثبت الله تعالى لنفسه وأثبت له رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما العالم الذي يعلم الناس القرآن ويفسره لهم ويفتيهم في الأمور العقدية فهو مأجور إن شاء الله فيما علم الناس من الحق، مخطئ فيما دعا له من الباطل، ونرجو أن يسامحه الله إن لم يكن حقق في آيات وأحاديث الصفات، وأما إن كان على علم بها وأنكرها تعصبا وعنادا فهو على خطر عظيم، فقد قال الذهبي في الرد على ابن خزيمة في تكفيره المطلق لمن لم يثبت الصفات: من أقر بذلك تصديقا لكتاب الله ولأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به مفوضا معناه إلى الله ورسوله ولم يخض في التأويل ولا عمق فهو المسلم المتبع، ومن أنكر ذلك فلم يدر بثبوت ذلك في الكتاب والسنة فهو مقصر، والله يعفو عنه إذ لم يوجب الله على كل مسلم حفظ ما ورد في ذلك، ومن أنكر ذلك بعد العلم وقفا غير سبيل السلف الصالح وتمعقل على النص فأمره إلى الله نعوذ بالله من الضلال والهوى. اهـ، هذا وننصحكم بالتلطف بالشيخ نفسه لعله يرجع ويستبين هداه، فاهدوه ما تيسر من تفاسير السلف المتبعين لمنهج السلف في الصفات كابن كثير ورسالة ابن أبي زيد القيرواني إضافة لبعض كتب العقيدة السلفية، فلعله حين يطالعها وحده يستفيد منها كما حصل لكثير من العلماء في مصر والهند والمغرب، رجعوا لمذهب السلف بعد ما اطلعوا بأنفسهم على كتب شيخ الإسلام وابن القيم وأبي الحسن الأشعري، ولا ننصحكم بسؤاله عما يحتمل أن يفتي فيه بالباطل، بل تعلموا منه القرآن والفقه واللغة، وراجع الفتوى رقم: ٦٦٣٣٢ / ٤٩٠٥٠ / ٥٧٧١٩.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٠٦ رجب ١٤٢٧