الشؤم من المرأة والدار والفرس ليس على إطلاقه
السُّؤَالُ
ـعنوان السؤال: هل صحيح أن الدنيا وجوه وعتبات?
أسمع عن وجهتي نظر في خصوص هذه المسألة من أن المرأة أو السكن قد يكون خيراً على الرجل أو نحسا.. وأسمع أن هذا الأمر لا يستند إلى الدين فيما البعض يقول إن هذا الأمر ورد في أحاديث نبوية وليس في آيات قرآنية ... وإذا كان الأمر في إطار أحاديث نبوية، فهل هذه الأحاديث مسندة أم لا ... وإذا كان النحس يلاحقني منذ أن تزوجت فهل يكون محاولة تغيير الواقع بالطلاق أم بزواج إضافي، علما بأنني لم أنجب من زوجتي الحالية ذرية وأثبتت الفحوصات الطبية أنه بإمكاني الإنجاب ... إذن هل الأفضل الطلاق أم الاحتفاظ بالزوجة والزواج من ثانية بذات الوقت ودون أن تعلم الزوجة الحالية، لأنها لن تتقبل المسألة ويمكن أن تسبب لها نكسة نفسية كبيرة لا أريدها لها؟ ولكم جزيل الشكر.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عبارة الدنيا وجوه وعتبات فليست حديثا نبوياً، ولم نفهم المراد منها بدقة حتى نصوبه أو نخطأه، أما بشأن ما ورد من إمكان كون المرأة شؤما على الزوج، فقد ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الشؤم في الدار والمرأة والفرس. وفي رواية: إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس والسكن والمرأة.
وروى أبو داود عن سعد بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا هامة ولا عدوى ولا طيرة، وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار. قال الشيخ الألباني: صحيح.
قال في عون المعبود في شرح الحديث: (وإن تكن الطيرة) أي صحيحة أو إن تقع وتوجد (في شيء) من الأشياء (ففي الفرس) أي الجموح (والمرأة) أي السليطة (والدار) أي فهي الدار الضيقة، والمعنى إن فرض وجودها تكون في هذه الثلاثة وتؤيده الرواية التالية، والمقصود منه نفي صحة الطيرة على وجه المبالغة، فهو من قبيل قوله لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، فلا ينافيه حينئذ عموم نفي الطيرة في هذا الحديث وغيره، وقيل: إن تكن بمنزلة الاستثناء أي لا تكون الطيرة إلا في هذه الثلاثة فيكون إخباراً عن غالب وقوعها، وهو لا ينافي ما وقع من النهي عنها. ثم قال: وعند البخاري عن ابن عمر أن رسول الله قال: لا عدوى ولا طيرة، والشؤم في ثلاث في المرأة والدار والدابة.
قال في النهاية: أي إن كان ما يكره ويخاف عاقبته ففي هذه الثلاثة، وتخصيصه لها لأنه لما أبطل مذهب العرب في التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء ونحوهما، قال: فإن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس يكره ارتباطها فليفارقها بأن ينتقل عن الدار ويطلق المرأة ويبيع الفرس. وقيل: إن شؤم الدار ضيقها وسوء جارها، وشؤم المرأة أن لا تلد، وشؤم الفرس ألا يغزى عليها. انتهى.
قال النووي: واختلف العلماء في هذا الحديث، فقال مالك وطائفة: هو على ظاهره، وأن الدار قد يجعل الله تعالى سكناها سببا للضرر أو الهلاك وكذا اتخاذ المرأة المعينة أو الفرس أو الخادم قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى، ومعناه قد يحصل الشؤم في هذه الثلاثة كما صرح به في رواية.
قال الخطابي وكثيرون: هو في معنى الاستثناء من الطيرة، أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس أو خادم، فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر: قال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر: سمعت من فسر هذا الحديث بقول شؤم المرأة إذا كانت غير ولود، وشؤم الفرس إذا لم يغز عليها، وشؤم الدار جار السوء.
لكن ليعلم السائل أن الله إن جعل في شيء من هذه الأشياء المذكورة شؤما فهو بتقدير الله، وأنه بحكمته قدر ذلك، ولا يجوز للمسلم أن يعتقد أن هذه الأشياء تؤثر بذاتها لأن ذلك نوع من الشرك الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: الطيرة شرك. أخرجه أحمد عن ابن مسعود وسنده صحيح.
والطيرة: هي التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم (انظر القول المفيد شرح كتاب التوحيد ٢/٥٥٩ ابن عثيمين) .
ولذا نرى أن لا يفارق زوجته لهذا السبب، أما كونها لم تنجب فالإنجاب نعمة كبقية النعم يعطيها الله لمن يشاء من عباده، قال عز وجل: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {الشورى:٤٩-٥٠} .
وليكثر من دعاء الله بالرزق بالذرية، وهذا لا يمنع أن يتخذ لذلك من السبل المشروعة ما يعينه على تحقيق مقصوده، كالعلاج الطبي أو الزواج بأخرى، لأن إيجاد النسل مقصد من مقاصد الزواج الرئيسية.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٦ ربيع الأول ١٤٢٦