وَأَوْضَاعَهَا مِنْ نُصُوصِ الْآيَاتِ وَأَلْمَاعِهَا ; لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، فَمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ فَهُوَ فِي الدَّارَيْنِ حَمِيدٌ وَسَعِيدٌ، وَمَنْ لَمْ يَرْفَعْ إِلَيْهِ رَأْسَهُ، وَأَطْفَأَ نِبْرَاسَهُ يَعِشْ ذَمِيمًا وَيَصْلَى سَعِيرًا.
وَقَالَ ابن المنير فِي الِانْتِصَافِ فِي مَسْأَلَةٍ رَدَّ فِيهَا عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ نَظَرَ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ إِلَى جَهَالَةِ الْقَدَرِيَّةِ وَضَلَالِهَا لَانْبَعَثَ إِلَى حَدَائِقِ السُّنَّةِ وَظِلَالِهَا، وَلَتَزَحْزَحَ عَنْ مَزَالِقِ الْبِدْعَةِ وَمَزَالِّهَا، وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ ; لِيَعْلَمَ أَيَّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقَّ بِالْأَمْنِ وَالدُّخُولِ فِي الْعِلْمِ.
وَقَالَ ابن دقيق العيد فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ الْإِلْمَامِ: وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا لِي مِنْ وَصْلِ مَاضِيهِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَلَا مُوجِبًا لِأَنْ أَقْطَعَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ.
وَقَالَ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ -مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ- فِي شَرْحِ كِتَابِهِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: فَكَانَتْ حَالَةً عَجَزَتِ الْبُلَغَاءُ عَنْ نَعْتِهَا، وَنَطَقَتْ بِهَا أَلْسُنٌ طَالَتْ مُدَّةُ صَمْتِهَا، وَمَا يُنْعِمُ اللَّهُ بِنِعْمَةٍ إِلَّا وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا.
وَقَالَ الشيخ جمال الدين الأسنوي فِي خُطَبِهِ الْمُهِمَّاتِ: وَإِذَا تَأَمَّلَ الْمُنْصِفُ هَذَا التَّصْنِيفَ، وَأَمْعَنَ النَّظَرَ فِي هَذَا التَّأْلِيفِ حَكَمَ أَنَّهُ لِنَظْمِ الْكِتَابَيْنِ كَالْقَوَافِي، وَأَنَّ هَذَا الثَّالِثَ هُوَ ثَالِثُ الْأَثَافِيِّ، وَرُبَّمَا تَأَمَّلَهُ بَعْضُ أَبْنَاءِ الْوَقْتِ مِمَّنْ أَدْرَكَهُ الْخِزْيُ وَالْمَقْتُ، وَاتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَشَيْطَانَهُ مَوْلَاهُ، وَأَلْبَسَهُ اللَّهُ رِدَاءَ الْحَسَدِ وَسِرْبَالَ الشَّقَاوَةِ، وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ، وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَنَظَرَ إِلَيْهِ بِطَرْفٍ خَفِيٍّ، وَصُمَّ عَنْ إِدْرَاكِ مَا فِيهِ وَعَمِيَ، كَمَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ الْمَوْضُوعِ لِبَعْضِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْمُسَمَّى بِالْجَوَاهِرِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا أَنْ أَشْفَعَ بِالثَّانِي الْأَوَّلَ، وَلَا قَاطِعًا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ.
فَصْلٌ: وَمِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ اسْتِعْمَالًا لِذَلِكَ الصُّوفِيَّةُ، وَقَدْ يُسَمَّى ضَرْبَ مَثَلٍ، وَقَدْ يُسَمَّى إِشَارَةً، بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَوْرِدِ، وَكُتُبُهُمْ مَشْحُونَةٌ بِذَلِكَ وَمُحَاوَرَاتُهُمْ وَمُخَاطَبَاتُهُمْ حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَقَامَ بُرْهَةً لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يُخَاطِبُ أَحَدًا إِلَّا مِنَ الْقُرْآنِ، وَمِمَّنْ حُكِيَ عَنْهُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِي مُحَاوَرَاتِهِ: الجنيد، والسري، ومعروف الكرخي، والشبلي. حَضَرَ شَيْخٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ سَمَاعًا فَحَصَلَ لِبَعْضِ الْمُرِيدِينَ وَجْدٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ، فَسَكَنَ عَنِ الْقِيَامِ. وَدَخَلَ آخَرُ عَلَى جَمَاعَةٍ وَهُمْ سُكُوتٌ، فَقَالَ: وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ. وَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ فَاسْتَحْقَرَهُ