فِي عَيْنِهِ فَقَالَ سِرًّا: {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} النور: 39 فَاطَّلَعَ الْوَلِيٌّ عَلَى ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْكَشْفِ فَقَالَ لَهُ: يَا فُلَانُ، اقْرَأْ مَا بَعْدَهَا.
وَفِي لَطَائِفِ الْمِنَنِ لِلشَّيْخِ تاج الدين بن عطاء الله: قَالَ الجنيد: التَّصْدِيقُ بِعِلْمِنَا هَذَا وِلَايَةٌ، وَإِذَا فَاتَتْكَ الْمِنَّةُ فِي نَفْسِكَ فَلَا يَفُتْكَ أَنْ تُصَدِّقَ بِهَا فِي غَيْرِكَ، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أبو الحسن الشاذلي فِي حِزْبِهِ الْمَشْهُورِ: نَسْأَلُكَ الْعِصْمَةَ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَالْإِرَادَاتِ وَالْخَطَرَاتِ مِنَ الشُّكُوكِ وَالظُّنُونِ وَالْأَوْهَامِ السَّاتِرَةِ لِلْقُلُوبِ عَنْ مُطَالَعَةِ الْغُيُوبِ، فَقَدِ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا لِيَقُولَ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا.
وَقَالَ الشَّيْخُ تاج الدين بن عطاء الله فِي الْحِكَمِ: مَا أَرَادَتْ هِمَمُ سَالِكٍ أَنْ تَقِفَ عِنْدَمَا كَشَفَتْ لَهَا وَنَادَتْهَا هَوَاتِفُ الْحَقِيقَةِ الَّذِي تَطَلَّبَ أَمَامَكَ وَلَا تَبَرَّجَتْ ظَوَاهِرُ الْمَكْنُونَاتِ إِلَّا نَادَتْكَ بِهِ حَقَائِقُهَا: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ، وَقَالَ: لَا تَرْحَلْ مِنْ كَوْنٍ إِلَى كَوْنٍ فَتَكُونَ كَحِمَارِ الرَّحَا يَسِيرُ وَالَّذِي ارْتَحَلَ إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي ارْتَحَلَ مِنْهُ، وَلَكِنِ ارْحَلْ مِنَ الْأَكْوَانِ إِلَى الْمُكَوِّنِ، وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى، وَقَالَ: لَا تُفْرِحْكَ الطَّاعَةُ ; لِأَنَّهَا بَرَزَتْ مِنْكَ، وَافْرَحْ بِهَا ; لِأَنَّهَا بَرَزَتْ مِنَ اللَّهِ إِلَيْكَ، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ، وَقَالَ: قَوْمٌ أَقَامَهُمُ الْحَقُّ لِخِدْمَتِهِ وَقَوْمٌ اخْتَصَّهُمْ بِمَحَبَّتِهِ كُلًّا نَمُدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا، وَقَالَ: رُبَّمَا أَفَادَكَ فِي لَيْلِ الْقَبْضِ مَا لَمْ تَسْتَفِدْهُ فِي إِشْرَاقِ نَهَارِ الْبَسْطِ، لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا.
وَقَالَ: الْحَقَائِقُ لَا تَرِدُ فِي حَالِ التَّجَلِّي مُجْمَلَةً وَبَعْدَ الْوَعْيِ يَكُونُ الْبَيَانُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ، مَتَى وَرَدَتِ الْوَارِدَاتُ الْإِلَهِيَّةُ إِلَيْكَ هَدَتِ الْعَوَائِدَ عَلَيْكَ، إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا، وَقَالَ: الْوَارِدُ يَأْتِي مِنْ حَضْرَةِ قَهَّارٍ لِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُصَادِمُهُ شَيْءٌ إِلَّا دَمَغَهُ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ، وَقَالَ: بَلْ دَخَلُوا إِلَى ذَلِكَ بِاللَّهِ وَلِلَّهِ وَمِنَ اللَّهِ وَإِلَى اللَّهِ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ; لِيَكُونَ نَظَرِي إِلَى حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ إِذَا أَدْخَلْتَنِي، وَاسْتِسْلَامِي وَانْقِيَادِي إِلَيْكَ إِذَا أَخْرَجْتَنِي، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا تَنْصُرُنِي وَتَنْصُرُ بِي.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ فِي بَعْضِ أَحْزَابِهِ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ جَعْفَرَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ السَّرَّاجِ النَّحْوِيَّ بِبَغْدَادَ يَقُولُ: رَأَيْتُ عَلَى أبي الحسن القزويني الزَّاهِدِ ثَوْبًا رَفِيعًا لَيِّنًا فَخَطَرَ بِبَالِي كَيْفَ مِثْلُهُ فِي زُهْدِهِ يَلْبَسُ مِثْلَ هَذَا، فَقَالَ فِي الْحَالِ بَعْدَ أَنْ نَظَرَ إِلَيَّ: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، قَالَ: وَحَضَرْنَا عِنْدَهُ يَوْمًا لِقِرَاءَةِ الْحَدِيثِ فَتَمَادَى بِنَا الْوَقْتُ إِلَى أَنْ وَصَلَتْ إِلَيْنَا