وَأَمَّا السُّؤَالُ السَّادِسُ: فَأَقُولُ: إِنَّ الشِّرَاءَ قَدْ وَقَعَ فِي الْأَزَلِ بِالْعِلْمِ وَعِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ بِالْفِعْلِ، وَهَذَا شَأْنُ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: اشْتَرَى صِفَةُ فِعْلٍ مُسْنَدَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ السَّابِعِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَزَلِ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ فِي عَالَمِ الذَّرِّ، لَكِنَّ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى وُرُودِ حَدِيثٍ بِهِ أَوْ أَثَرٍ، وَلَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّامِنُ: فَإِنَّمَا خَصَّ الْأَمْوَالَ، وَالْأَنْفُسَ وَهِيَ الْأَرْوَاحُ ; لِأَنَّهُمَا أَعَزُّ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ الْخَلْقِ، فَأَعَزُّ شَيْءٍ عَلَى الْإِنْسَانِ نَفْسُهُ الَّتِي هِيَ رُوحُهُ، وَالْمَالُ عَدِيلُ الرُّوحِ، فَاشْتَرَى مِنْهُمُ الْأَنْفُسَ لِيَبْذُلُوهَا لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْأَمْوَالَ لِيُنْفِقُوهَا فِي الْجِهَادِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْقُلُوبَ ; لِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالْقَلْبِ مَا هُوَ حَالٌّ فِيهِ وَهُوَ الرُّوحُ فَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ الْحَالُّ وَهُوَ الْأَنْفُسُ، فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْمَحِلِّ الَّذِي هُوَ وِعَاءٌ مَحْضٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْقَلْبِ الْمَحِلُّ الَّذِي هُوَ الشَّكْلُ الصُّنُوبَرِيُّ وَهُوَ الْوِعَاءُ فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يُذْكَرَ ; لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ قِطْعَةِ لَحْمٍ وَجُزْءٍ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، وَقَدْ ذَكَرَ مَا هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ وَأَعَزُّ مِنْ كُلِّ الْبَدَنِ، وَهِيَ الْأَنْفُسُ، فَلَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْقُلُوبِ مَعْنًى.
وَأَمَّا السُّؤَالُ التَّاسِعُ: فَقَالَ صَاحِبُ " كَشْفِ الْأَسْرَارِ " قَالَ الطوخي فِي " أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ ": اخْتُلِفَ فِي أَيِّ الْجِهَتَيْنِ أَفْضَلُ ; الْمَشَارِقَةُ: الْمَشْرِقُ أَفْضَلُ، وَاحْتَجُّوا بِوُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرِ الْمَوْضِعَيْنِ فِي مَوْضِعٍ إِلَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الْمَشْرِقِ. الثَّانِي: الْفَضَاءُ يَكُونُ مُظْلِمًا فَلَا يُضِيءُ إِلَّا بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ فِي الْفِقْهِ مِنَ الشَّرْقِ. الرَّابِعُ: أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي بُورِكَ فِيهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَهِيَ أَرْضُ مِصْرَ وَالشَّامِ وَأَرْضُ الْجَزِيرَةِ مِنَ الْمَشْرِقِ ; لِأَنَّ النَّاسَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَرْضَ مِصْرَ حَدُّ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَمَا كَانَ مِنْ مِصْرَ إِلَى جِهَةِ مَطْلَعِ الشَّمْسِ فَهُوَ مَشْرِقٌ، فَيَتَنَاوَلُ الْحِجَازَ، وَالشَّامَ، وَالْيَمَنَ، وَالْعِرَاقَ وَمَا بَعْدَهَا، وَالْمِصْرُ فِي اللُّغَةِ: الْحَدُّ ; وَلِذَا سُمِّيَتْ مِصْرُ بِمِصْرَ.
وَاحْتَجَّ الْمَغَارِبَةُ بِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِذِكْرِ الْمَغْرِبِ فِي قِصَّةِ ذي القرنين، وَالثَّانِي: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ» ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الثَّابِتَ: وَهُمْ بِالشَّامِ غَرْبِيَّ الْمَدِينَةِ.
وَأَمَّا لَفْظُ الْغَرْبِ فَلَا يَثْبُتُ، وَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَرْبِ وَهُوَ الدَّلْوُ الَّتِي يُسْتَقَى بِهَا، وَأَكْثَرُهُمْ بِالْيَمَنِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَغْرِبَ اخْتُصَّ بِظُهُورِ الْأَهِلَّةِ الَّتِي هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ