وَالْحَجِّ يَرْمُقُهَا أَبْصَارُ النَّاسِ دُونَ الْمَشْرِقِ، وَعُورِضَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَبِأَنَّ الْقَمَرَ يَطْلُعُ أَوَّلًا مِنَ الْمَشْرِقِ مَمْحُوقًا ثُمَّ يَظْهَرُ بِالْمَغْرِبِ، وَبِأَنَّ بَابَ التَّوْبَةِ سِعَتُهُ أَرْبَعِينَ عَامًا ثُمَّ أَنَّهُ يُغْلَقُ بِالْمَغْرِبِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ المهدي يَظْهَرُ بِالْمَغْرِبِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ ظُهُورُهُ بِمَكَّةَ أَوِ الْيَمَنِ أَوِ الْعِرَاقِ، قَالَتِ الْمَغَارِبَةُ: نَحْنُ لَا يَظْهَرُ الدجال مِنْ عِنْدِنَا، وَلَا يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَلَا سَائِرُ الْفِتَنِ، وَلَا أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَلَدِنَا فَقَالَ: الْفِتْنَةُ مِنْ هَاهُنَا. قَالَتِ الْمَشَارِقَةُ: هَذَا عُدُولٌ عَنْ تَقْرِيرِ الْمَنَاقِبِ إِلَى التَّعْرِيضِ بِالْمَثَالِبِ، فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَكْفِيكُمْ أَنَّ الشَّمْسَ آيَةُ النَّهَارِ، وَأَنَّهَا تَغْرُبُ عِنْدَكُمْ وَتُظْلِمُ الْأَقْطَارُ، وَيُغْلَقُ بَابُ التَّوْبَةِ مِنْ جِهَتِكُمْ فَلَا تَنْفَعُ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ. وَأَقُولُ: لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدِي تَفْضِيلُ الْمَشْرِقِ عَلَى الْمَغْرِبِ وَلَا عَكْسُهُ ; لِتَعَارُضِ دَلِيلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنَّ أُفَضِّلَ الْمَشْرِقَ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ بُعِثُوا مِنْهُ، وَلَمْ نَقِفْ أَنَّهُ بُعِثَ مِنَ الْمَغْرِبِ نَبِيٌّ، ثُمَّ وَقَفْتُ عَنْ ذَلِكَ ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بُعِثَ مِنْهُ نَبِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ خَبَرٌ ; لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مِائَةُ أَلْفِ نَبِيٍّ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ، فَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مِنَ الْمَغْرِبِ؟ وَلَمْ تَرِدِ الْأَخْبَارُ بِتَفْضِيلِ حَالِ خَمْسِينَ نَبِيًّا فَضْلًا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهَا.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الْعَاشِرُ: فَقَالَ صَاحِبُ " كَشْفِ الْأَسْرَارِ " اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى تَفْضِيلِ الْأَرْضِ عَلَى السَّمَاءِ ; لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ خُلِقُوا مِنْهَا، وَعَبَدُوا اللَّهَ فِيهَا، وَدُفِنُوا فِيهَا.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الْحَادِي عَشَرَ: فَذَكَرَ صَاحِبُ " كَشْفِ الْأَسْرَارِ " مَا نَصُّهُ- فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ -الْأَرْضُ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِمَّا تَحْتَهَا ; لِاسْتِقْرَارِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ فِيهَا، وَلِانْتِفَاعِنَا بِهَا، وَدَفْنِ الْأَنْبِيَاءِ بِهَا، وَهِيَ مَهْبِطُ الْوَحْيِ، وَغَيْرِهِ. قُلْتُ: وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي عَشَرَ: فَفِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ قَالَ بَعْضُهُمْ: السَّمَاءُ الْأُولَى أَفْضَلُ مِمَّا سِوَاهَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} الملك: 5 قُلْتُ: وَرَدَ الْأَثَرُ بِخِلَافِهِ.
أَخْرَجَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَيِّدُ السَّمَاوَاتِ، السَّمَاءُ الَّتِي فِيهَا الْعَرْشُ، وَسَيِّدُ الْأَرَاضِينَ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ عَشَرَ: فَأَخْرَجَ الشَّيْخَانُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ; فَإِنَّهُ وَسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ