وإنما فعل هذا بالمنفي تخفيفا كأنهم لم يذكروا اللام كما أنهم إذا قالوا: يا طلحة أقبل. فكأنهم لم يذكروا الهاء وصارت اللام من الاسم بمنزلة الهاء من طلحة.
لا تغير الاسم عن حاله قبل أن تلحق، فالنفي في موضع تخفيف كما أن النداء في موضع تخفيف، فمن ثمّ جاء فيه مثل ما جاء في النداء.
وإنما ذهبت النون في " لا مسلمي لك " على هذا المثال جعلوه بمنزلة ما لو حذفت بعده اللام، وذلك قولك: لا أباك، فكأنهم لو لم يجيئوا باللام قالوا: لا مسلميك.
فعلى هذا الوجه حذفوا النون في: لا مسلمي لك، وذا تمثيل وإن لم يتكلم " بلا مسلميك " ليعلم أن النون إنما ذهبت حيث صارت اللام هاهنا بمنزلتها بعد الأب إذا قلت لا أبا لك.
قال مسكين الدارمي (1):
وقد مات شمّاخ ومات مزرد
… وأيّ كريم لا أبا لك يمنّع (2)
ويروى " يخلّد ".
وتقول: لا يدين بها لك ولا يدين اليوم لك إثبات النون أحسن. وهو الوجه، وذلك أنك إذا قلت: لا يدي لك ولا أبا لك فالاسم بمنزلة اسم ليس بينه وبين المضاف إليه شيء نحو: لا مثل زيد، فكما قبح أن تقول: لا مثل بها زيد فتفصل قبح أن تقول:
" لا يدي بها لك " ولكن تقول: لا يدين بها لك ولا أب يوم الجمعة لك. كأنك قلت لا يدين بها ولا أب يوم الجمعة ثم جعلت " لك " خبرا فرارا من القبح.
وكذلك إن لم تجعل (لك) خبرا ولم تفصل بينهما وجئت ب " لك " بعد أن تضمر مكانا أو زمانا كإضمارك إذا قلت: لا رجل ولا بأس. وإن أظهرت فحسن ثم تقول (لك) لتبين المنفي عنه.
وربما تركتها استغناء بعلم المخاطب وقد تذكرها توكيدا وإن علم من تعني.