ومثله: " ما زيد إلا خارج " وليس زيدا إلا خارجا ومعناه: إن كل شيء يذكر لزيد منفي وخرج " خارجا " من عموم النفي كأنه قال: ليس زيد شيئا إلا خارجا.
وهذا التقدير: تقدير معنى وليس بتقدير لفظ مقدر محذوف والدليل على ذلك:
أنك تقول: ما قام إلا زيد. لا يجوز في " زيد " غير الرفع ولو كان " أحد " منويّا في اللفظ لجاز " إلا زيدا ". كما يجوز: ما قام أحد إلا زيدا ".
ومن الدليل على أن أصل الاستثناء ما ذكرناه. أنا تقول: استثنيت زيدا من القوم.
ولا تقول: استثنيت زيدا من البساتين. ولا استثنيت زيدا من عمرو؛ لأنه ليس بعض البساتين. ولا بعمرو و " من " للتبعيض فكأنه في الأصل: زيد من القوم ثم أخرجته عنهم في المعنى الذي جعلته. ولا يجوز أن تكون " من " هاهنا لابتداء غاية المكان كما تقول:
أخرجته من الكوفة. لأن " القوم " ليسوا بأمكنة، ولا يراد أنهم ابتداء غاية للمستثنى منهم.
وقولهم: استثنى الحالف إذا قال: إن شاء الله أو أراد بعد يمينه ما تنصرف به الأيمان إلى بعض الوجوه التي كان يوجبها اليمين في إطلاق لفظها قبل التقييد. فإذا قال لزوجته " أنت طالق " أو قال لعبده: أنت حر فهي طالق. وهو حر على كل وجه وسبب.
وإذا قال: " أنت طالق " أو أنت حر إن خرج زيد أو إن قدم زيد أو إن دخلت الدار، فقد جعل الطلاق والعتاق على بعض الوجوه.
وكذلك إذا قال: أنت طالق أو أنت حر إن شاء الله فقد علق الطلاق والعتاق بمشيئة الله تعالى.
فمن الفقهاء من لا يوقع الطلاق ولا العتاق؛ لأنه لما كان لا يعلم مشيئة الله تعالى له في الحكم كأنه لم يشأ فلم يقع الطلاق ولا العتاق؛ لأن المعلق به لم يكن.
ومنهم من يقول إنه يقع؛ لأن يجعل مشيئته شاملة لكل شيء، وسمي استثناء؛ لأنه يعقب به اللفظ المطلق العام فصار على بعض الوجوه. وهذا يوضح ما أصلناه في الاستثناء.
وأما قولهم: ما فيها أحد إلا حمارا ونحوه مما يشتمل عليه الباب. فنصب أهل الحجاز ما بعد " إلا " لأنه ليس من نوع الأول. لأن " أحدا " وضع لما يعقل. وإنما يبدل القليل من الكثير إذا كان بعضه كقولك: مررت بتميم بعضهم.
فحملوه على وجه النصب الذي ذكرناه قبل هذا الباب وهو الاستثناء.
وأما بنو تميم فرفعوه ونحوه على تأويلين ذكرهما سيبويه.
أحدهما: أنك إذا قلت ما في الدار أحد إلا حمار فإنك أردت: ما في الدار إلا حمار.