وقولك: ما في الدار إلا حمار. قد نفيت به الناس وغيرهم في المعنى. فدخل في النفي ما يعقل وما لا يعقل ثم
ذكرت " أحدا " توكيدا لأن يعلم أنه ليس بها آدمي.
والوجه الآخر:
أن تجعل المستثنى من جنس ما قبله على المجاز كان " الحمار " هو من إحدى ذلك الموضع. ومن عقلاء ذلك الموضع مثل: أنيسك أصداء القبور. وعتابك السيف. وأشباه ذلك من المجازات.
وقال المازني: إن فيه وجها ثالثا وهو: أنه خلط ما يعقل " بما لا يعقل " فعبر عن جماعة ذلك بأحد ثم أبدل " حمار " من لفظ مشتمل عليه وعلى غيره. وقال الله تعالى:
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ (1). لما خلط ما يعقل وهم بنو آدم الذين يمشون على رجلين بما لا يعقل وهو الحية التي تمشي على بطنها والبهائم التي تمشي على أربع خبّر عنها كلها بلفظ ما يعقل وهو: منهم " و " من ". ولو كان ما لا يعقل لقال: فمنها ما يمشي.
قال أبو سعيد: قد ذكرت معنى ما قال المازني وبسطته واحتججت له.
وقول سيبويه بعد الأبيات التي في آخر الباب " وهذا يقوي: ما أتاني زيد إلا عمرو. وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه لأنها معارف ليست الأسماء الآخرة بها ولا منها ".
فأما الأبيات فقوله: " لا يبقى لجاحمها التخيل والمراح " (2) وهو على وجهي ما فسرته من لغة بني تميم.
أحدهما: كأنه قال: لا يبقى لجاحمها إلا الفتى الصبار، ودل ذل على أنه لا يبقى شيء سواه. وذكر التخيل " والمراح " توكيدا.
والوجه الآخر: أنه جعل الفتى الصبار هو التخيل في الحرب والمراح مجازا. كما جعل: حمارا هو من الأحدين مجازا.
وفيه وجه ثالث: وهو أن التخيل على معنى: ذوو التخيل وحذف ذوو وأقام التخيل مقامه مثل قوله عز وجل: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (3). وهذا على الوجه الذي يتفق عليه