وإنما منع الأب أن يكون بدلا من القوم أنك لو قلت: (أتاني إلا أبوك) كان محالا.
وإنما جاز: ما أتاني القوم إلا أبوك؛ لأنه يحسن لك أن تقول: ما أتاني إلا أبوك.
فالمبدل إنما يجيء أبدا كأنه لم يذكر قبله شيء؛ لأنك تخلى له الفعل وتجعله مكان الأول.
فإذا قلت: (ما أتاني القوم إلا أبوك) فكأنك قلت: ما أتاني إلا أبوك.
وتقول: ما فيهم أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا.
كأنه قال: كلهم قد قالوا ذاك إلا زيدا.
قال أبو سعيد: قد فسرنا جميع ما في هذا الباب فيما تقدم بما أغني عن إعادته.
هذا باب ما يكون فيه (إلا) وما بعده وصفا بمنزلة (مثل) و (غير)وذلك قولك لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا.
والدليل على أنه وصف: أنك لو قلت: لو كان معنا إلا زيد لهلكنا، وأنت تريد الاستثناء لكنت قد أحلت.
ونظير ذلك قوله عز وجل: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا الأنبياء: 22.
ونظير ذلك من الشعر قوله وهو ذو الرمة:
أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة
… قليل بها الأصوات إلا بغامها (1)
كأنه قال: قليل بها الأصوات غير بغامها. إذا كانت (غير) غير استثناء.
ومثل ذلك قوله تعالى: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (2)
وقوله تعالى: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ (3) ومثل ذلك من الشعر قول لبيد بن ربيعة:
وإذا أقرضت قرضا فاجزه
… إنما يجزى الفتى غير الجمل (4)