هذا باب ما يقدم فيه المستثنىوذلك قولك: ما فيها إلا أباك أحد. وما لي إلا أباك صديق. وزعم الخليل أنهم إنما حملهم على نصب هذا: أن المستثنى إنما وجهه عندهم أن يكون بدلا. ولا يكون مبدلا منه؛ لأن الاستثناء إنما حده: أن تتداركه بعد ما تنفي فتبدله فلما لم يكن وجه الكلام هذا حملوه على وجه قد يجوز إذا أخرت المستثنى.
كما أنهم حيث استقبحوا أن يكون الاسم صفة في قولهم: (فيها قائما رجل) حملوه على وجه قد يجوز لو أخرت الصفة وكان هذا الوجه أمثل عندهم من أن يحملوا الكلام على غير وجهه.
وقال كعب بن مالك الأنصاري:
الناس ألب علينا فيك ليس لنا
… إلّا السّيوف وأطراف القنا وزر (1)
سمعناه ممن يوثق به ممن يرويه عن العرب. كراهية أن يجعلوا ما حد المستثنى أن يكون بدلا منه بدلا من المستثنى.
ومثل ذلك: ما لي إلّا أباك صديق
فإن قلت: ما أتاني أحد إلا أبوك خير من زيد. وما مررت بأحد إلا عمرو خير من زيد. كان الرفع والجر جائزا. وحسن البدل لأنك قد شغلت الرافع والجار ثم بدلته من المرفوع والمجرور ثم وصفت بعد ذلك. وكذلك: من لي إلا أبوك صديقا. لأنك أخليت (من) للأب ولم تفرده لأن يعمل كما يعمل المبتدأ.
وقد قال بعضهم: ما مررت بأحد إلا زيدا خير منك وكذلك: من لي إلا زيدا صديق، وما لي أحد إلا زيدا صديق. وكرهوا أن يقدموه وفي أنفسهم شيء من صفته إلا نصبا.
كما كرهوا أن يقدم قبل الاسم إلا نصبا.
وحدثنا يونس أن بعض العرب الموثوق بهم يقولون: ما لي إلا أبوك أحد.
فيجعلون (أحد) بدلا كأنك قلت: (لي أبوك صديقا). كما قلت (من لي إلا أبوك صديقا) حين جعلته مثل: ما مررت بأحد إلا أبيك خيرا منه.
ومثله قول الشاعر وهو الكلحبة: