أمرتكم أمري بمنقطع اللوى
… ولا أمر للمعصي إلا مضيّعا (1)
كأنه قال: للمعصي أمر مضيعا. كما جاز: فيها رجل قائم وهذا قول الخليل.
وقد يكون أيضا على قوله: (لا أحد فيها إلا زيدا).
قال أبو سعيد: أما لزوم الاستثناء إذا تأخر المستثنى منه فكلام سيبويه واحتجاجه فيه بيّن.
وإذا تقدم المستثنى منه وتأخر نعته عن حروف الاستثناء فإن سيبويه ذكر فيه البدل والاستثناء وقدم البدل كقولك: ما أتاني أحد إلا أبوك خير من زيد. و (ما مررت بأحد إلا عمرو خير من زيد).
قال سيبويه: وقد قال بعضهم: ما مررت بأحد إلا زيدا خير منك فأما من أبدل فلأن البدل إنما هو من الاسم. وقد تقدم والنعت فضله في الكلام.
وأما من اختار الاستثناء إذا تأخر فأبو عثمان المازني ممن يختار ذلك. فإن حجته:
أن المبدل منه في تقدير الملغي. فإذا قدر المتكلم به في كلامه إلغاءه فما حاجته إلى نعته؟
فوجب أن يذكر نعت المستثنى منه بعد الاستثناء؛ لأنه لم يلغه في التقدير. وإذا لم يلغه لم يبدل منه.
وكان أبو العباس محمد بن يزيد يذهب إلى اختيار البدل ويحكيه عن سيبويه وأما قوله: (من لي إلا أبوك صديقا).
فإن أبا العباس محمد بن يزيد كان يقدره على أن (من) مبتدإ وأبوك خبره. ومثله بقولك:
(ما زيد إلا أخوك) و (صديقا) حال.
والوجه عندي: أن من (مبتدإ) و (لي) خبره و (أبوك) بدل من (من) كأنه قال: ألي أحد إلا أبوك؟
وقوله: (لأنك أخليت) من للأب ولم تفرده.
معنى: أخليت (من) للأب. أي: أبدلت الأب منه ولم تفرد (من) لأن (لي) خبرها.
وقد فسر مثل ما فسرت غير أبي العباس من مفسري كلام سيبويه.
ومما يدل على أن (لي) خبر (من): أن الظروف وحروف الجر إذا وقعت مع المبتدإ فإنما هي خبر أو في صلة الخبر. أو في صلة المبتدإ إذا كان فيه معنى الفعل.