وأجمعين لا يكرّران على نكرة، فاستثقلوا أن يجعلوها فصلا في النكرة كما جعلوها في المعرفة؛ لأنّها معرفة، فلم تصر فصلا إلا لمعرفة، كما لم تكن وصفا إلا لمعرفة.
وأمّا أهل المدينة فينزلون هو هاهنا منزلتها في المعرفة في كان ونحوه. فزعم يونس أنّ أبا عمرو رآه لحنا وقال:
(احتبى ابن مروان في ذه في اللحن).
وكان الخليل يقول: (والله إنه لعظيم جعلهم هو فصلا في المعرفة وتصيرهم إيّاها بمنزلة ما إذا كانت لغوا؛ لأن هو بمنزلة أبوه، ولكنّهم جعلوها في ذلك الموضع لغوا كما جعلوا ما في بعض المواضع بمنزلة ليس، وإنّما قياسها أن تكون بمنزلة كأنّما وإنّما. ومما يقوّي ترك ذلك في النكرة أنّه لا يستقيم: رجل خير منك، ولا تقول: أظنّ رجلا خيرا منك، حتى تنفي وتجعله بمنزلة أحد، فلمّا خالف المعرفة في الواجب الذي هو بمنزلة الابتداء، وفي الابتداء، لم يجر في النّفي مجرى المعرفة؛ لأنه قبح في الابتداء وفيما أجري مجراه من الواجب؛ فهذا ممّا يقوّي ترك الفصل.
قال أبو سعيد: لم يجز الفصل إذا كان الاسم قبله نكرة؛ لأنّ الفصل يجري مجرى صفة المضمر، وهو وأخواتها معارف، فلا يجوز أن يكنّ فصلا للنّكرة، كما لا يجوز أن تكون المعارف صفات للنّكرة.
وأمّا ما ذكر من إنزال أهل المدينة هو هاهنا منزلتها في المعرفة في كان ونحوه فإنّ هذا الكلام إذا حمل على ظاهره فهو غلط وسهو؛ لأنّ أهل المدينة لم يحك عنهم إنزال هو في النكرة منزلتها في المعرفة، والذي حكي عنهم: هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم، وهؤلاء بناتي جميعا معرفتان، وأطهر لكم منزلته المعرفة في باب الفصل؛ لأنّه من باب: هو خير منك، والّذي أنكر سيبويه أن يجعل: ما أظنّ أحدا هو خيرا منك بمنزلة: ما أظنّ زيدا هو خيرا منك، فليس هذا مما حكي عن أهل المدينة في شيء، وقد شهد بما ذكرته ما ذكره يونس أنّ أبا عمرو رآه لحنا، فدلّ أنّ ذلك في الآية الّتي قرأها من قرأ بنصب (أطهر لكم)، وليس في القرآن شيء الاسم فيه نكرة، وفيه قراءتان مختلفتان مما يشبه الفصل.
والذي يصحّح به كلام سيبويه أن يقال: هذا الباب والباب الذي قبله بمنزلة باب واحد؛ لأنّ الباب الذي قبله باب ما تكون فيه هو وأخواتها فصلا وهذا الباب ما لا يكنّ فيه، وباب واحد يضمّن ما يجوز وما لا يجوز في معنى واحد، وترجمته الباب الثاني كالفصل، وقد يجري في كلام سيبويه أن يترجم بابا يتضمّن أشياء، ثم يعيد ترجمة الباب في بعض تلك الأشياء.